تستمد الأمتان العربية والإسلامية هويتهما من تراثهما الحضاري والثقافي المتجذر في أعماق أبنائها. انه تراث عريق يبرز في تلك العادات والتقاليد التي يتوارثها الأبناء جيلا بعد جيل. شهر رمضان المبارك تتجلى فيه هذه العادات والمورث الشعبي الذي أرتبط بقدوم هذا الشهر، سواء كان ذلك من خلال الأهازيج الشعبية أو الحكم أو الأمثال والحكايات. ففي مختلف البلدان الإسلامية، تلمس العديد من العادات والتقاليد الخاصه باستقبال شهر رمضان المبارك، وكل قطر إسلامي وعربي يتسم بطابع خاص به من خلال الأهازيج الشعبية والأغنيات الخاصة التي تحكي استقبال الشهر الكريم، ولعل فرحة الأطفال هنا تأتي بشكلٍ خاص حيث يحتفلون به بطريقتهم من حيث أهازيجهم وألعابهم المتعددة التي تحاكي شهر رمضان. تحضيرات خاصة لاستقبال الشهر الفضيل بالجزائر وفي دول المغرب العربي ، يستقبل المواطنون هذا الشهر، بفرحة عارمة وقلوب تواقة. حيث تشتهر في دول المغرب العربي ، الموائد في رمضان بشربة الحريرة، والتمر والحليب و"الشباكية" و"البغرير" و"الملوي".. فيما تعتبر شربة الحريرة في مقدمة الوجبات، إذ لا يعتبرون كثيرون للإفطار قيمة بدونها؛ ولذلك بمجرد ذكر شهر رمضان تذكر معه "الحريرة" عند الصغار والكبار على السواء، كما ينتشر الباعة المتجولون على الطرقات والأماكن الآهلة بالسكان ليبيعوا هذه الوجبات دون غيرها. وبعد الحريرة تأتي "الشباكية" وهي حلوى تصنع غالباً في البيوت بحلول الشهر الكريم.وتتميز الجزائر بالحمامات التي تلقى إقبالاً كبيراً من العائلات في الأيام الأخيرة من شهر شعبان للتطهّر واستقبال رمضان للصيام والقيام بالشعائر الدينية وتنطلق إجراءات التحضير لهذا الشهر الكريم قبل حلوله بشهور من خلال ما تعرفه تقريباً كل المنازل الجزائرية من إعادة طلاء المنازل أو تطهير كل صغيرة وكبيرة فيها علاوة على اقتناء كل ما يستلزمه المطبخ من أوانٍ جديدة وأغطية لاستقبال هذا الشهر. وتتسابق ربات البيوت في تحضير كل أنواع التوابل والبهارات والخضر واللحوم البيضاء منها والحمراء لتجميدها في الثلاجات حتى يتسنى لهن تحضير ما تشتهيه أفراد عائلتهن بعد الصيام. الخليج.. عادات وتقاليد رمضانية للعديد من الأقطار العربية عادات وتقاليد رائعة في استقبال هذا الشهر الكريم، ففي دول الخليج العربي- بحسب الباحث في شؤون التراث أحمد السمر- هناك عادات وتقاليد موحدة ومتمازجة عبر مئات السنين، والحكايات و "السوالف" الشعبية في شهر رمضان المبارك في منطقة الخليج العربي لا تكاد تنتهي، ففي هذا الشهر تنشط وتدب الحياة في كل ما يتصل وله علاقة بالأهازيج والحكايات والأمثلة والألعاب والعادات والتقاليد، حيث لكل منطقة من مناطق دول الخليج قاطبة عادات وتقاليد وأمثلة شعبية واحدة مشتركة إلا ما ندر.أما حلقات الذكر و تلاوة وختم القرآن الكريم والأدعية الدينية في ليالي شهر رمضان فإن أهل الخليج ينشطون في إحيائها.. ولا يكاد أي منزل من منازل يخلو من جانب من جوانب تلك الحلقات الإسلامية.. حيث يتناول الزوّار والأصدقاء تلاوة القرآن الكريم والأدعية الدينية، كما أن الطبق الخليجي هو الآخر في هذا الشهر يحفل بالعديد من أصناف الموائد والأطعمة الشهية والفاخرة التي اشتهر بها أهالي منطقة الخليج.. وأهمها على سبيل المثال لا الحصر.. الهريس والساقو والنشا واللقيمات والعصيدة والبلاليط والثريد والمحلبية أو المهلبية، حيث تجتهد ربّات البيوت خلال هذا الشهر بتحضير جميع هذه الأطعمة لتزين بها مائدة الإفطار اليومية. كما نجد أن الكثير من الألعاب المسلية التي تجمع بين المرح والمتعة تمارس بين فئات الشباب في الغالب والتي تقام في الساحات والميادين فيما سبق وعلى الرغم من أن بعض تلك الألعاب قد انقرضت أكثرها بسبب المدنية واجتياح المسببات والدواعي الحضارية إلا أن جانباً من تلك الألعاب لا زالت تعرف وتمارس بين شباب القرى على وجه الخصوص. القرقيعان والمسحراتي من العادات الراسخة ومن ضمن العادات المترسخة منذ مئات السنين ألعاب القرقيعان المعروفة في منطقة الخليج بأسماء قد تختلف بعض الشيء في تناولها.. ففي منتصف شهر رمضان والتي تعرف في المنطقة الشرقية ب(الناصفة) تقوم كافة الأسر بترتيب وتجهيز أنواعاً عديدة من المكسرات والحلويات و (السبال) وهو الفول السواداني، قبيل حلول هذا الموعد بيوم أو يومين استعداداً لتوزيعه على جميع الأطفال الذين يجوبون الحارات والأحياء من مكان لآخر لالتقاط القرقيعان.. وحيث يطرقون الأبواب مرددين أناشيد قد تختلف أيضاً في تناولها من منطقة لأخرى ولكنها تجتمع من حيث الهدف لترد عليهم ربة البيت وتقوم بتوزيع ما جادت به حصيلتهم من تلك الحلوى ومن ثم يتابع الأطفال مسيرتهم .وللمسحر أو "المسحراتي" في شهر رمضان المبارك في منطقة الخليج كما هو معروف دور كبير وذكريات لا تنسى التصقت بأذهان الخليجيين قاطبة حيث كان له هويته المتميزة.. وطابعه الفريد والذي لم تعرفه أجيال هذا العصر فقد كان "المسحر" ويسمى أيضاً "أبو طبيلة" يقوم مترجلاً أو راكباً حماره ومعه بعض الأطفال يقرعون الطبول لإيقاظ النيام لتتناول وجبة السحور. وفي مصر والسودان احتفالات أخرى أما في مصر والسودان مثلا تزيَّن الشوارع والحارات بالأعلام والبيارق الورقية منذ الأسبوع الأخير من شهر شعبان، بحيث تشهد الأحياء والأزقة في مصر ظاهرة جميلة بربط الحبال بين البيوت المتقابلة، تعلّق عليها الرايات والفوانيس. وللأطفال في الشهر الفضيل حكاية ظريفة وجميلة، فهؤلاء يخرجون ليلة رؤية هلال رمضان إلى الطرقات سواء مع أقرانهم من الأطفال، أو إلى جانب أفراد عائلتهم، مرتدين أحلى ما عندهم من ثياب، وحاملين الأعلام والفوانيس الرمضانية، يغنون الأناشيد والأهازيج الخاصة بهذا الشهر الكريم في فرحة جماعية عارمة.ويترقب السودانيون قدوم هذا الشهر الفضيل بفيض من الشوق والاستعداد، ويدخرون له ما طاب من المحاصيل الزراعية والبقوليات والتمر منذ وقت مبكر، وقبيل حلول الشهر الكريم يقوم السودانيون بشراء التوابل وقمر الدين ويقومون بإعداد مكونات شراب شهير يسمى (الحلومر) وهو يصنع من عدة مواد أهمها الذرة والتوابل وغيرها، وتحتوي المائدة السودانية على بعض الأكلات المقلية والحلويات و(العصيدة ) والسلطات، وأنواع عديدة من المشروبات المحلية والعصائر المعروفة، فضلاً عن (سلطة الروب) والشوربة وغيرها من مكونات المائدة الرمضانية العامرة. بلاد الشام تستقبل رمضان بعادات وتقاليد خاصة كما لا يختلف رمضان كثيراً في بلاد الشام ومنها فلسطين ، فلهذا الشهر عاداته من إفطار وسحور وحلويات، وصلاة تراويح وقيام ليل وقراءة القرآن وزيارات الأهل. من أهم الأطعمة الفلسطينية المقلوبة، وهي مكونة من الأرز ومقلي الباذنجان أو الزهرة أو البطاطس، وكذلك البصل المقلي والثوم، توضع اللحمة بعد النضج أسفل الوعاء (الحلة) ثم يوضع الثوم المقلي ثم يوضع الأرز وتوضع بعد ذلك التوابل ويسكب المرق وتوضع على نار هادئة حتى النضج، ثم توضع ملعقة سمن على الأرز، وبعد ذلك تقلب في صينية وتقدَّم كما هي مع اللبن (الزبادي) أو سلطة خضار. ومن الأكلات الشعبية أيضاً الفتة. أما في بلاد الشام، فهناك المنسف وهو مشهور في بلاد الشام مكون من الأرز والحمص والثوم والتوابل والبصل واللحم، وهناك المفتول (الكسكسون) وهو من طحين السميد ودقيق القمح المفتول بطريقة خاصة، ويطبخ على البخار، وكذلك يطبخ له مرق من مرق اللحم والبصل والتوابل، وبعد نضج المفتول يوضع في الصينية ويسكب عليه المرق والبصل، وهناك من يضع في المرق طماطم أو القرع. كما تزين الشوارع بالأنوار والمصابيح وتكتب عليها عبارات التهنئة بقدوم رمضان ويتم اطلاق الألعاب النارية .