عجيب أمر هذا البلد، فمن جهة يفتخر بعمليات زرع الكبد وبالحملات الوطنية لمكافحة سرطان الثدي، ومن جهة أخرى لا يستطيع ضمان غذاء صحي يقي من التسمم الذي وصل حتى إلى ثكنات الجيش. قد يكون ذلك مقبولا لو أن حادث تسمم 400 شخص في مستغانم عارض لا يقع كل يوم، لكن الواقع أن الناس مازالوا يموتون بسبب غذاء منتهي الصلاحية أو فطر مسموم أو حلوى متعفنة. السلطات بمجموعها لا تتحرك إلا بعد فوات الأوان، تماما كما في الأفلام البوليسية، فالشرطة لا تصل إلا عندما تنتهي المعارك. فبدل أن تقوم مصالح قمع الغش ومصالح النظافة بالبلدية بعملها من خلال مراقبة المحلات التجارية التي تبيع موادا غذائية قابلة للتلف، سواء كانت مأكولات سريعة أو حلويات، فهي تسارع بعد أن تكتظ مصالح الاستعجالات بالمتسممين إلى غلق المحل المجرم. للنزاهة، فإن السلطات المدنية لا يمكن أن تقوم بكل العمل، لأنه عندما يتعلق الأمر بتجار فوضويين يبيعون الجبن والحليب والحلويات في الشارع، فلا يمكن التعامل معهم إلا بالقوة العمومية، لأنهم أصلا غير مرخص لهم لبيع أي شيء.. لا مواد غذائية ولا أدوات حديدية، لأن التجار الفوضويين الذين يحتلون الشوارع والساحات العمومية يعملون في العلن أمام الشرطة والدرك دون أن يزعجهم أحد، حتى ظن الناس أنهم أصبحوا تجارا نظاميين يخضعون للرقابة ويدفعون الضرائب. أما الحملات التي تقوم بها قوات الأمن من حين لآخر لطرد بعض الباعة في الأحياء الشعبية، فأصبحت لعبة معروفة لدى محترفي التجارة، لأنهم يعلمون أن ''الدولة'' ستنشغل بمهام أخرى بعد أيام ويعودون لممارسة نشاطهم بكل حرية. ثم كيف يمكن لمواطن عاقل أن يشتري مواد سريعة التلف من المفروض أنها لا تحفظ إلا في الثلاجة، من تاجر يبيعها تحت الشمس الحارقة والغبار المتناثر؟ قد يقول قائل إن السعر يلعب دورا أساسيا في اتخاذ مثل هذا الفعل، لكن هل يمكن أن يشتري شخص أكلا بثمن بخس فيدخله المستشفى ويعطله عن العمل ويفرض عليه مصاريف الدواء؟ وفي انتظار أن نعالج مشكل النظافة في المحلات التجارية، لا مانع من عرض بعض الصور في التلفزيون لمستشفيات عصرية مزودة بأحدث التجهيزات، وتقوم بعمليات جراحية ''معقدة''، لأنه أولا وأخيرا ''ما ينفع غير الصح''.