لقد زادت في الآونة الأخيرة حالات التسمم الغذائي بشكل ملحوظ في الجزائر، وذلك لأسباب أهمها تحسن القدرة الشرائية لدى الفرد , الأمر الذي من شأنه شراء كميات كبيرة من الأغذية المتنوعة مع قلة الوعي بطريقة التخزين والتحضير الهام/س . ومن الأسباب أيضاً زيادة خطوات تصنيع وتداول الأغذية ونقلها من بلد لآخر مما يجعلها عرضة للملوثات المختلفة. كما أن تلوث مواطن إنتاج الأغذية يعتبر من الأسباب التي جعلت بعضها يحمل الملوثات من أولى خطوات إنتاجها. بالإضافة إلى ذلك، فإن زيادة ارتياد الناس المطاعم تزامنا و وجود عمالة غير مؤهلة للعمل في هذا القطاع من العوامل التي تجعل فرصة التعرض لحوادث التسمم أكبر. ومن المعروف أن الأمراض الغذائية لا تحدث كثيراً في المجتمعات الفقيرة ذات الموارد الغذائية المحدودة، نظراً لكون هذه المجتمعات قريبة من مواطن الإنتاج وتستهلك ما تنتجه مباشرة دون فائض يلزم الولوج في التصنيع والتداول اللذين يشاركان في مشكلات التسمم الغذائي. ندخل بعد هذه المقدمة إلى كيفية الحد من التسمم الغذائي، والتعرف على دور المستهلك في حماية نفسه. وقبلها نود أن نقول إنه يلزم الحد من حوادث التسمم الغذائي أو الأمراض الغذائية إتباع ما يلي - معرفة المسبب للتسمم وذلك عن طريق الجهات العلمية أو البحثية التي لديها من الإمكانات ما يؤهلها لتحقيق هذا الأمر. - سن التشريعات والقوانين التي تكفل الحد من دخول مسببات التسمم إلى سلة الغذاء، أو التي تضمن القضاء عليه أو الحد من تعاظمها إن وجدت وتقوم بهذا الجانب أيضاً جهات علمية وبحثية. - الرقابة على التشريعات والتأكد من تنفيذها لتحقيق الأهداف المرجوة، وفي العادة يكون المسؤول عليها جهات حكومية لديها السلطة في تطبيق ما يلزم من عقوبات على من يحيد عن هذه القوانين والتشريعات. وعلى الرغم من تعدد الهيئات والمنظمات المسؤولة عن سلامة الغذاء، إلا أن على المعني بهذا الأمر و هو"المستهلك" مسؤولية تختلف باختلاف مستواه العلمي والثقافي.. والسؤال هو " كيف يمكن للمستهلك أن يشارك الجهات الرسمية في الحد من حوادث التسمم الغذائي؟ " يبدأ دور المستهلك في حماية نفسه من التسممات الغذائية مع بداية التفكير في التسوق، حيث يفضل أن تحدد الأغذية التي يريد شراءها وكذلك الكميات التي يحتاج إليها، ويفضل أن يسعى المستهلك إلى شراء المواد الغذائية من المحلات التجارية ذات السمعة الجيدة والمحلات التي تهتم بنظافة المحل وتخزين الغذاء بصورة جيدة، وألا يكون جل اهتمامه في البحث عن السلع الرخيصة . كما عليه التأكد من سريان فترة الصلاحية، وتجنب العبوات الممزقة التالفة أو العلب المنبعجة أو التي عليها مظاهر الانتفاخ والصدأ. ومن المهم أن يلاحظ المستهلك أن أجهزة التبريد والتجميد تعمل بشكل مناسب وذلك بقراءة المحاذير التي من المفروض أن تكون ملحقة بهذه الأجهزة،خاصة ما يتعلق بالأغذية الحساسة مثل اللحوم والألبان والأجبان. كما يفضل أن يتم شراء هذه الأغذية في آخر رحلة التسوق لضمان نقلها إلى المنزل في أسرع وقت حتى تبقى على وضعها الأساسي قدر الإمكان. وفي فصل الصيف حيث ترتفع درجة الحرارة، تزداد أهمية وضع الغذاء في مكان مناسب في السيارة وسرعة نقله إلى المنزل. وبمجرد الوصول إلى المنزل يجب حفظ الأغذية خاصة الحساسة منها على حالتها الأصلية (مبردة أو مجمدة). وعند التخزين في المنزل يجب أن تفصل الأغذية النيئة مثل اللحوم عن تلك التي تؤكل طازجة مثل الفواكه والخضراوات الورقية حتى لا يكون أحدها مصدر تلوث للآخر، أو ما يعرف بالتلوث الخلطي. ويخزن الغذاء في الثلاجة أو "المجمد" بأحجام مناسبة للحفاظ عليها مجمدة أو مبردة. وفي فصل الصيف والمناطق الحارة عموماً، يفضل أن تفحص أجهزة التبريد بشكل دوري لضمان عملها بالشكل الصحيح كما يفضل أن يلحق بالثلاجة ترمومتر لمتابعة عملها. وعند التحضير.. والطبخ..! أي عند البدء في تحضير الأغذية يجب تنظيف الأيدي والأدوات والأسطح قبل التعامل مع الغذاء وبعده، وإذا كان الغذاء المراد تجهيزه مجمداً فإن الطريقة المثلى لتسييحه هي وضعه في الثلاجة (5ْم) قبل الإعداد بفترة كافية، لأن تركه على حرارة الغرفة حتى يسيح يجعله عرضة لنمو الأحياء الدقيقة. فيما يجب طبخ الأغذية بدرجة مناسبة تكفل إتمام القضاء على ما قد يكون موجوداً من مسببات التسممات الغذائية الميكروبية. وبعد الطبخ يفضل استخدام الأدوات النظيفة للتعامل مع هذا الغذاء ومن ثم استهلاكه مباشرة أو أن يحفظ مبرداً أو أن يبقى ساخناً؛ وبمعنى آخر لا يبقى الغذاء أكثر من ساعتين على حرارة في المدى بين 6ْم إلى 60ْم لأن جزءاً من حالات التسمم الغذائي المنزلي وفي بعض المطاعم وقصور الأفراح يرجع سببها إلى ترك الغذاء لفترة طويلة في هذا المدى خارج المنزل وفي حالة رغبة العائلة استهلاك الغذاء خارج المنزل؛ فإن كانت رحلات، فإنه يفضل الاستغناء قدر الإمكان عن الأغذية الحساسة سريعة الفساد أو أن تحفظ بالطريقة المناسبة. ومن المهم أيضاً أن يتجنب أفراد العائلة وخاصة الأطفال شراء الأغذية والمسليات من محلات غير مأمونة التي لا يتوفر معظمها على الشروط الصحية اللازمة للتعامل مع هذه الأغذية. وإذا رغب المستهلك تناول الغذاء في المطاعم فعليه أن يختار المطاعم ذات السمعة الجيدة، وأن يقلل من ارتياد المطاعم قدر الإمكان. وعليه أن يلاحظ نظافة المطعم الذي يرتاده ونظافة العاملين به ومدى التزامهم بالسلوكيات الصحية. ونظراً لحدوث عدد من حالات التسمم نتيجة تناول أغذية بقصور الأفراح، فإن النصيحة هنا تكمن في عدم تناول أغذية محضرة منذ فترة والاقتصار على الأغذية الساخنة. ولكي يكتمل دور المستهلك في الحماية من الأمراض الغذائية، فعليه أن يكون عين رقيب يبلغ الجهات المختصة "البلديات" عند ملاحظة أية مخالفة في المطاعم وغيرها من محلات الأغذية. عليه أيضا أن يتصل بالجهات ذات العلاقة مثل المستشفيات عندما يشك في إصابته بالتسمم حتى يكون دليلاً يساعد على تقصي حوادث التسمم الغذائي وخصوصاً في حالة الإصابات الجماعية. وأخيرا لابد من القول أن تركيز وسائل الإعلام المختلفة على الدعايات التجارية للأغذية لا يساعد على تحقيق سلامة مستهلك الغذاء بل يدفعه إلى التوسع في استهلاك الأغذية، كما أنها لا تقوم بتوعيته حول صحية تداول الغذاء. لذا فإن المستهلك في حاجة إلى برامج توعية تصل إليه عبر وسائل الإعلام المختلفة حتى يكون على حد أدنى من المعرفة بالخطوات اللازم إتباعها في التعامل مع الغذاء، وقد يمتد الأمر إلى التوعية عبر قنوات أخرى مثل المدارس ومراكز الرعاية الصحية الأولية وغيرها. وخلاصة الموضوع هي أن سلامة الغذاء ليست مسؤولية الجهات التشريعية والرقابية فحسب بل إن هناك أطرافاً عديدة يجب أن تشارك في تحقيق هذا الهدف كل في حدود معرفته ومسؤوليته.