بغض النظر عن رؤية الجميع، من سلطة ومعارضة، لمسيرة يوم أمس الاحتجاجية ووصفها بالناجحة أو الفاشلة، فهذا لن ينقص شيئا من شرعية مطالب أصحابها التي أضحت اليوم القاسم المشترك بين مختلف فئات الشعب الجزائري، بمن فيها أطراف كثيرة كانت إلى وقت قريب محسوبة على النظام، بل حتى السلطة نفسها تقر بشرعية الكثير من المطالب وتحاول أن تستجيب للبعض منها وفق أجندتها وبما يدعم مكانتها ويخدم مصالحها ويطيل من عمرها. الشيء الذي لا يختلف عليه عاقلان، هو أن حالة الجزائريين اليوم ليست على أحسن ما يرام، بل تزداد سوء يوما بعد يوم، لقد تم الاستيلاء على استقلالهم وسرقت منهم انتفاضتهم بعد أكتوبر ,1988 ونهبت أموالهم وسلبت حرياتهم، ورغم هذا لم يترددوا في مواجهة الدمار عندما وصلت مؤسسات الدولة الجزائرية حد الانهيار، فقاتلوا الإرهاب الهمجي بكل الوسائل المتاحة... في تلك الفترة، كانت السلطة تشجع المواطنين على الخروج إلى الشارع في مسيرات حاشدة للتنديد بالإرهاب. ولم يتوقف الأمر عند مستوى المواجهة، بل امتد إلى إرسال الأولياء بناتهم وأبنائهم إلى المدارس والثانويات والجامعات من أجل تفويت الفرصة على المشروع الإرهابي. وكلنا نعرف ما دفعه الجزائريون من ثمن مقابل هذه المواقف الوطنية الشجاعة. إن مقاومة الإرهاب، وإن مست كل أرجاء الوطن، إلا أن رهان الجزائر العاصمة كان رهانا كبيرا بالنسبة للإرهابيين. فكيف تأتي اليوم السلطة الجديدة القديمة وتمنع مسيرات لمواطنين بالعاصمة كانت بالأمس القريب تبرمجها وتقول عنها إنها عفوية؟ كان من الأجدر بالسلطة السماح للمسيرة ما دامت متأكدة بأن الجزائر ليست تونس ولا مصر ولا اليمن، ومتأكدة أيضا أنها استجابت لحد بعيد لتطلعات وانشغالات المواطنين عامة والشباب على وجه الخصوص. فلماذا هذا الخوف والارتباك إذن من مواطنين أرادوا الخروج إلى الشارع للتعبير عن فرحتهم وتعلقهم بالنظام الذي غمرهم بالسعادة والهناء ووفر لهم العيش الكريم بكل أبعاده الديمقراطية والاجتماعية. إن خطاب السلطة وزبائنها والمستفيدين من ريوعها والناهبين لأموالها، يوحي بأننا نعيش في النرويج أو السويد، ولا علاقة لنا بمطالب التونسيين ولا المصريين ولا مطالب الشعوب العربية الأخرى، وبالتالي لا خوف على استقرار البلد، فنحن لا نعدل الدساتير للبقاء في الحكم، ولنا تلفزيونات وإذاعات مفتوحة للجميع، نوزع الثروة على الجزائريين بعدالة عمر بن الخطاب، ونفتح المجال أمام الكفاءات، ونضمن الحقوق السياسية للجميع، نحن غير معنيين بمطالب التونسيين والمصريين بشأن استقلالية العدالة وفصل السلطات، فالعدالة في الجزائر مستقلة جدا جدا، والبرلمان بغرفتيه يمثل الشعب أحسن تمثيل، حتى التداول على منصب رئيس الحكومة والوزير الأول طبقت عليه الديمقراطية، بعد أن اقتصر على شخصيتين يشهد لهما الجميع بالكفاءة. عندنا في الجزائر نكاد نقضي، حسب الإحصائيات الرسمية، على البطالة نهائيا، وعليه لا داعي للاستمرار في الاستثمار، فالبترول يكفي الجميع حسب الوزير الأول أحمد أويحيى، ولم يبق لنا إلا الاستعداد للعهدة الرابعة حسب السيد عبد العزيز بلخادم. [email protected]