لم تخف عديد الأحزاب قلقها من السبات الذي دخلت فيه السلطة دون أن يخرج من مطبخها أي دخان بشأن الإصلاحات التي وعدت بها عقب أحداث الشارع في جانفي الماضي. وإذا كان حزب الأرسيدي يرى بأن النظام ''ليس لديه حصيلة ولا برنامج ويعتمد على الدعاية فقط''، فإن زعيمة حزب العمال لويزة حنون شبهت الاستمرار في سياسة الصمت إزاء ملف الإصلاحات ب''انتحار'' للسلطة. بدأت الطبقة السياسية، خصوصا من جانب أحزاب المعارضة، تفقد صبرها بعدما سمعت طيلة شهر كامل ''جعجعة'' على مستوى هيئة المشاورات دون أن ترى في نهاية المطاف ''الطحين'' الذي قيل إنه سيتوج أعمالها. ويكون هذا الوضع وراء حالة الشك الذي أخذت تجد مكانا لها وسط قيادات الأحزاب السياسية في ظل صمت السلطة وعدم مبادرتها بأي جديد بشأن الإصلاح السياسي. وفي الوقت الذي اشتمت حركتا النهضة والإصلاح وجود حالة من التردد لدى السلطة حول ما وعدت به من إصلاحات، واستندت في ذلك إلى عدم كشفها عن تقرير هيئة بن صالح المتضمن مقترحات الأحزاب، لجأ عبد الله جاب إلى اختبار مدى الجدية في هذه الإصلاحات بطريقته الخاصة، حيث طرح رسميا في الساحة تأسيس حزب سياسي جديد يسمى ''جبهة العدالة والتنمية''، لجس نبض قلب السلطة ما إذا كانت تريد حقا الانتقال إلى مرحلة جديدة من الانفتاح السياسي والإعلامي، أو أنها بقيت وفية لسلوكاتها القديمة. ويكون جاب الله بهذه الخطوة قد أقام الحجة ورمى بكرة المسؤولية في مرمى وزارة الداخلية المكلفة هي الأخرى بحزمة من الإصلاحات، تتقدمها مراجعة قانوني الأحزاب والانتخابات اللذين من المفروض أن يفتحا الباب لاعتماد تشكيلات سياسية جديدة. لكن إذا كانت الأمينة العامة لحزب العمال قد فضلت الطريق الأوسط بدعوة، الرئيس بوتفليقة إلى الإعلان في أقرب وقت عن القرارات المتمخضة عن المشاورات، وعبرت عن استغرابها حيال ''الصمت'' بخصوص الإصلاحات، رغم التداعيات الإقليمية والداخلية التي تحيط بالجزائر، فإن الأمر ليس كذلك على مستوى الأرسيدي، حيث أخرج سعيد سعدي نيران انتقاداته مباشرة نحو النظام الذي اتهمه في تجمع مع مناضلي حزبه ببلدية مشدالة بالبويرة بأنه ''ليس لديه حصيلة ولا برنامج ويعتمد على الدعاية فقط''. وفي منظور سعدي فإن ''النظام الذي يبدد 40 مليار دولار خلال ستة أشهر في ظرف حساس، فقط من أجل الحفاظ على بقائه، هو نظام غير قادر على التفكير في المصلحة الوطنية، والإجراءات الأخيرة فيما يتعلق بقانون البلدية أو قانون المحامي، هو تأكيد على سياسة الأرض المحروقة المعتمدة من طرف النظام''. هذه التصريحات الحزبية المتوالية تندرج ضمن محاولات الضغط على السلطة ودفعها لتقديم تنازلات، لكونها ترى أن ظروف الثورات العربية بدأ يخفت بريقها، ومن شأن ذلك أن يشجع السلطة على العودة إلى الخلف بدل التوجه للأمام، وبالتالي يكون مآل الإصلاحات على طريقة ''تمخض الجبل فولد فأرا''.