في سؤال صحفي سئل يوما رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية عن السر الذي جعله يعمر على رأس الحزب أكثر من عقدين، فأجاب بكل وضوح وبكل فخر " أنه لا توجد إطارات في حزبه يمكن الاعتماد عليها لتحل محله" والظاهرة في البقاء على رأس الأحزاب ليست مقتصرة على حزب سعدي فقط وإنما تكاد تكون في أغلب الأحزاب خاصة تلك التي تطالب بالتداول على السلطة وتلوم النظام وتتهمه بالتراجع عن المكاسب الديمقراطية. في الوقت الذي تنسب لنفسها فضل الانفتاح الديمقراطي أحزاب دخلت الانفتاح صدفة تتجاهل حقائق شباب أكتوبر تعتقد الكثير من الأحزاب أن الفضل يرجع إليها في الانفتاح الديمقراطي الذي عرفته البلاد منذ أواخر الثمانينات للقرن الماضي، وهو ما يعتبر افتراء على الحقيقة، لأن القاصي والداني يعرف أن هذا الانفتاح جاء على خلفية انفجار الأحداث في 5 أكتوبر 1988، وهي الشرارة الأولى التي أعطت الانطباع بأن الأمر كان عفويا، إلا أن الآراء تختلف في سبب هذه الأحداث فمنهم من نسبها إلى فعل متعمد داخل السكة نفسها على خلفية خلق مناخ مناسب لتوجه جديد ومحاولة الإطاحة بالحرس القديم وعلى رأسهم أمين الحزب في تلك الفترة الراحل شريف مساعدية، وبعيدا عن الأسباب الحقيقية التي ما تزال غامضة لحد اليوم، والتي سيكشف عنها التاريخ يوما فإن الحقيقة والواقع يؤكدان أنه لا يوجد حزب ولا شخصية حزبية كان لها الفضل في الانفتاح الديمقراطي وإن كان ثمة فضل فهو يرجع للأوضاع العالمية التي تزامنت مع سقوط الشيوعية وأنظمة الحزب الواحد في كل البلدان ذات التوجه الأحادي، وهو ما دفع بالجزائر لتخطي المرحلة واللحاق بالركب والتغيرات الجديدة وإن كان ثمة فضل أيضا فهو يعود إلى أطفال وشباب أكتوبر الذين خرجوا للمطالبة بتحسين المعيشة، فوجدوا أنفسهم أمام واقع لم يكونوا يعرفون عنه شيئا وهو الانفتاح الديمقراطي، لذا من العبث القول أن أحزابا معينة -وعلى رأسها الأرسيدي- كانت هي صانعة الانفتاح الذي عرفته البلاد خلال بداية التسعينات ونهاية الثمانينات من القرن الماضي، ولا حتى النضال الذي كان قبل ذلك والذي لطالما تغنى به رفقاء سعدي بل وحتى هو شخصيا لأنه لا أحد كان يسمع بهم فما بالك بأتباعهم والنتيجة ظاهرة اليوم رغم الانفتاح وجهرهم بأفكارهم فقد لفظهم الشعب في أكثر من مناسبة . في الوقت الذي يطالبون فيه بالتداول على السلطة رؤساء أحزاب لم يتغيروا منذ تأسيس أحزابهم الأمر الذي يقف عنده أي ملاحظ بسيط هو التناقض في النظرة الازدواجية لأحزابنا إلى النخبة الحاكمة والى قضايا تعد أساس العمل الديمقراطي، فلا يوجد حزب ولا تشكيل سياسي لا يطالب بالتداول السلمي على السلطة، وهو هدف مشروع ومن أجله تأسست الأحزاب، ثم بعدها يكون للبرامج الحزبية الكلمة الفصل لدى الناخبين، ولدى عموم الناس الذين يمكنهم التمييز بين الذي يمكنه أن يقدم للبلاد والذي لا يمكن سوى أن يكون تاجر قضية وليس صاحب قضية، والتناقض يكمن في مطالبة رؤساء أحزاب عندنا بالتداول على السلطة في الوقت الذي ما يزالون على رؤوس أحزابهم منذ أول بداية للتعددية وتكريس وجودهم رغم الهزائم الانتخابية والتي مهما قيل في شأنها أبانت عن حجمهم، وإن كان رئيس حزب لا يمكن أن يتنازل عن رئاسة الحزب ويؤكد أنه لا توجد إطارات داخل حزبه يمكن أن تتحمل المسؤولية، فكيف سيكون عليه الأمر حين ينصب هذا المسؤول الحزبي أو ينتخب رئيسا للبلاد، سؤال بلا شك إجابته ستصدم الجميع، وستكرس الأحزاب نفس الوضع القائم ربما بأكثر إصرار وأكثر قوة من أجل أن يبقى رئيس الحزب رئيسا للبلاد لو كتب له أن يصير رئيسا للجمهورية يوما، وفي الديمقراطيات العريقة التي يضرب بها رؤساء الأحزاب الممسوخة لدينا الأمثلة يسلم رئيس الحزب حين انهزامه في أي انتخابات المشعل لجيل جديد أو لوجوه أخرى لتقود مسيرة الحزب و تتجدد الدماء في الحزب من أجل البحث عن حلول أخرى للوصول إلى الحكم ، وهي اللعبة الديمقراطية المعروفة في كل بلدان العالم التي تحترم الديمقراطية ولا تجعلها شعارا فقط، لهذا نجد أحزابا في الغرب يكون نصيبها الانتخابي ضئيلا ولكن مع تغيير قيادتها، تدخل انتخابات أخرى بقوة وتحقق ببرنامجها الجديد ووجوهها الجديدة انتصارا، هذا دون أن تغير من مبادئها التي ناضلت في سبيلها سنوات طوال، وإذا قارنا بين هذه الأحزاب والتي عندنا، يتضح الفارق الكبير الذي يجعل أي مناضل في حزب ولو عنصري في فرنسا يقول أن الأحزاب في الجزائر " ديكتاتورية ". سعيد سعدي "الشاذ الذي لا يقاس عليه" لا يطالب بالتداول في حزبه، ولكنه يطالب بالتداول على السلطة ربما الحالة الشاذة في المشهد الديمقراطي وفي حزب الارسيدي الذي يطالب ببسط الديمقراطية وتطبيقها بل ويجعلها المبدأ الرئيس لحزبه ونواته الأساسية هو زعيمه الدكتور سعيد سعدي، الذي لا يتوانى في تقديم انتقاداته للنظام وللأحزاب ولمن حوله وحتى للمنشقين عن حزبه مثل خليدة تومي، الوزيرة الحالية وعمارة بن يونس الوزير الأسبق ووجوه أخرى استطاعت أن تكسر ديكتاتورية رئيس "حزب ديمقراطي" وتخرج عن صمتها وتمارس النضال بطريقة أخرى وحتى وان تقلدت مسؤوليات هامة في الدولة، وبعيدا عن الحكم عن هذه الأسماء إن اختارت المصلحة الخاصة والمنصب على مبدأ النضال فان المؤكد، أن غياب التداول داخل حزب سعدي هو الذي سرع وتيرة الانفصال بينه وبين خليدة تومي وعمارة بن يونس وغيرهم من الوجوه التي كان لها الفضل في تأسيس الحزب، فكيف لحزب يؤمن بالمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها من الشعارات المكتوبة دون أن يطبقها, أو أن يسائل رئيسه عن السر في بقائه إلى الأبد رئيسا للحزب، والمطالبة بضخ دماء جديدة يمكن أن تعطي للحزب نفسا جديدا كما هو معمول به في كل أحزاب العالم، بل الغريب في الحكاية كيف لم يحتج ولا إطار في الحزب حين أكد رئيس الحزب امام الملأ أنه لا يوجد غيره من يصلح لرئاسة الحزب..؟ من خلال قوله أنه لا يوجد إطارات يمكن أن تصلح لخلافته، وإن سلمنا جدلا بمقولة الدكتور هذه، فماذا كان يفعل طيلة 20 سنة على رأس الحزب لماذا لم يحاول في هذه الفترة تكوين إطارات شابة يمكنها أن تقدم للحزب الشيء الجديد وتخرجه من منطقته الجغرافية وعن النظرة العنصرية لباقي مناطق الوطن بما أن الحزب يدعي أنه حزب جزائري وليس حزب قبائلي، فمن المسؤول عن تكوين الإطارات داخل الأحزاب؟، أولم يكن عدم وجود إطارات في الارسيدي لتولي مناصب قيادية أو مكان الدكتور على رأس الحزب فشلا لسعدي في تسيير الحزب على المناضلين والمتعاطفين والقيادة محاسبته عليه، هذا من جهة ومن جهة أخرى ما التبرير الذي يمكن أن يقدمه سعدي حين يطالب بالتداول على السلطة ولا يقبل بالتداول على الحزب؟.. أليس هذا نفاقا سياسيا وديكتاتورية فاضحة تعصف بالمبادئ التي يتشدق بها الحزب، ثم لماذا لا تتغير خطة عمل الحزب وأهدافه عقب كل الهزائم الانتخابية التي لا يود أن يعترف بها، وأحيانا يعترف بها ويلوم الشعب فيها الذي لم ينتخبه، ولماذا لا يتساءل سعدي عن الخلل الذي يجعل الناس يعزفون عن التصويت له حتى في منطقته؟، الجواب ليس بالشيء الصعب وهي أن الدكتور يعاني جنون العظمة مثله مثل ستالين الذي يرى أنه من دونه لن تشرق الشمس، وإن قال نور الدين ايت حمودة النائب عن الارسيدي أن اويحي وبوتفليقة وجهان لعملة واحدة وهما فعلا كذلك فقد أراد ذما فأحسن إليهما لأن الأول رئيس الجمهورية والثاني وزير أول يسهر على برنامج الرئيس وبالتالي هما فعلا وجهان لعملة واحدة من ناحية تسيير القضايا والمشاريع، لكن الحقيقة التي يريد المناضلون في الارسيدي الذين يكثرون الضجيج خارجا ويصمتون في حزبهم أن سعدي وستالين أيضا وجهان لعملة واحدة بناء على ما ذكرناه سالفا . زعيمة مدى الحياة لويزة حنون التي تطالب بالتغيير دون أن تتغير على خطا سعدي في الزعامة تسير أمينة حزب العمال لويزة حون، غير أن الاختلاف بينهما واضح جدا للعيان، فأمينة حزب العمال على الأقل لها مواقف مشرفة من ناحية مدافعتها عن الطبقة الشغيلة، وواضحة في التعامل مع القضايا الكبرى، ولم تقصر يوما في مبادئها، فإن كانت توافق السلطة في بعض السياسات فهي معارضة على طول الخط لسياسات أخرى فقد دافعت بشراسة عن خوصصة سونطراك، ورفضت الأمر جملة وتفصيلا، وحين عزفت الحكومة عن الأمر وعرفت الخطورة وقفت لويزة مع هذا الموقف، كما أنها لا تتوان في المطالبة بحل المجلس الشعبي الوطني والدعوة إلى انتخابات مسبقة رغم أن لها أعضاء منتخبين في المجلس ولا يمكنها أن تضمن ارتفاع أعضائها في المجلس او عكس ذلك، لكن ما يعيب على الأمينة العامة لحزب العمال وعلى حزب العمال ككل أنه ما يزال يعيش بنفس الوجوه التي ألفها الناس منذ 20 سنة، فالشباب اليوم الذين ولودوا في يوم تأسيس الحزب سيصلون الى سن 21 سنة ولكنهم في مقابل ذلك لا يذكرون وجها آخر عن حزب حنون غير وجهها، والتداول على السلطة يقتضي التداول على الحزب أيضا، وهنا تطرح إشكالية عزوف الناس عن الانخراط والنضال، وهو إيمانهم بأن الأحزاب تكرس الأحادية في داخلها ولا تبحث عن التغيير يعني إذا التحق ابن العشرين بالحزب اليوم، فسيظل مناضلا عاديا حتى بعد 20 سنة ولا يمكنه ترأس الحزب أو حتى أن يكون إطارا فيه بما أن الحزب يكرس نفس الوجوه ونفس القيادات. الأحزاب الإسلامية حضر كل شيء إلا الشورى الأحزاب الإسلامية لدينا كفرت في أول الأمر بالديمقراطية واعتمدت الشورى كنهج لها، ثم عادت مع التغيرات السياسية عبر العالم وحتى الوطنية وقالت أن الشورى هي نفسها الديمقراطية مع اختلاف بسيط، وهنا لا يمكن أن ندخل في مبادئ الفتوى وتشابه الشورى بالديمقراطية ولكن الأحزاب الإسلامية رغم تغير وجوهها فإن تغير الوجوه لم يأت بتداول سلمي على الحزب بل جاء عن طريق انقلابات ومؤامرات وتنحية هذا وضرب ذاك، فرئيس حركة النهضة السابق الشيخ جاب الله ورئيس حركة الإصلاح الوطني بعدها، لم يكن ليتزحزح عن مكانه لولا أن أخرج من الباب الضيق من طرف "إخوانه" في النضال وما يزال الشرخ والجرح بين الإخوة في النضال عميقا لحد اليوم، والأمر نفسه بالنسبة لحركة الإصلاح الحالية التي انسحب منها رئيس مجلس الشورى محمد بولحية وطلق السياسية في بيان له واقسم أن لا يعود لها ومن يومها والمجلس لم يعقد دورته في انتظار تحولات أخرى، أما حكاية النهضة فصار صوتها بعيدا جدا ولا يسمع لها سوى صداه من خلال زعيمها فاتح ربيعي الذي صار يقود شبه حزب ويفضل أن يبقى على رأسه الى أجل غير مسمى أو إلى أن يحدث له مثلما حدث لجاب الله، أما حركة أبو جرة فانتقال الزعامة من الراحل نحناح لم تكن بانتخاب أو عن طريق شورى أو ديمقراطية الحكاية أن الأب الروحي للحركة انتقل إلى العالم الآخر فكان الأخذ والرد بين الإخوان في الحزب فرجحت كفة أبو جرة وما يزال لحد الآن ترجيح كفته مثار جدل، والجدير بالذكر أنه لولا أن الأجل وافى الراحل نحناح لما تغيرت الحركة ولبقي نحناح رئيسا لحد الآن، ومن تبعات الخلاف على تركة الراحل نحناح هو الانشقاق بين الإخوان فقد ظهرت حركة جديدة يتزعمها منافس أبو جرة في الزعامة عبد المجيد مناصرة، وبقيت حركة أبي جرة تتزعم حمس وكل هذا يحدث بعيدا عن التداول السلمي لزعامة الأحزاب بعيدا عن الديمقراطية رغم المطالبة بتطبيقها خارج قواعدها وخاتمة القول أنه إن أردنا بناء ديمقراطية حقيقية ما علينا سوى تجسيدها في أحزابنا قبل مطالبة السلطة بذلك . الأحزاب الوطنية متهمة من طرف الجميع لكنها في الطريق السليم باستثناء موسى تواتي زعيم الأفانا الذي استطاع الصمود منذ تأسيس حزبه في أواخر التسعينات رغم الضربات الموجعة التي وجهها له خصومه ورغم الحركات التصحيحية فإنه بقي وفيا للمطالبة بالتداول على السلطة رافضا التداول على حزبه، في الجهة المقابلة يقف حزب اويحي وحزب بلخادم رغم أنهما المتهمان من الطبقة السياسية على طرف نقيض من الأحزاب الأخرى ولعل حزب الارندي يمكن أن يكون مثلا في التداول على السلطة خاصة في سنواته الأخيرة وبعيدا عن الانقلاب الذي حدث ضد بن بعيبش الأمين العام الأسبق للحزب فإن اويحي تسلم مقاليد الحكم بطريقة سلسة، من سلفه بن صالح الذي توجه لرئاسة مجلس الأمة، ورغم العواصف التي تضرب الحزب العتيد فإن التغيرات على هرمه منذ 20 سنة لها مدلولاتها الخاصة رغم أنها لا ترقى إلى العمل الديمقراطي الكامل إلا أنه حدث تغير على الهرم أحيانا بطرق سلمية وأحيانا بطرق فيها الكثير من القيل والقال ويمكن أن يعذر الحزب في هذا الشأن بسبب أنه وعاء كبير لمناضلين وفيه اتجاهات شتى، ورغم ذلك حدث تداول على الحزب . المفارقة الكبرى والعجيبة منذ التعددية تداول على السلطة 5 رؤساء من المفارقات العجيبة والغريبة التي تحدث في المشهد السياسي هو تعاقب 5 رؤساء على هرم السلطة في الجزائر منذ التعددية الحزبية في البلاد، واختلفت طريقة انتقال السلطة بينهم جميعا منذ استقالة الشاذلي بن جديد إلى وصول بوتفليقة إلى الحكم 1999 إلا أن التغير حدث ويمكن أن يلاحظه أي ملاحظ سواء بالتعيين أو بالانتخاب فقد استقال بن جديد وعوضه بالتعيين الراحل محمد بوضياف الذي اغتيل فيما بعد ليخلفه علي كافي في الحكم لينتخب بعده الرئيس اليامين زروال والذي انتخب سنة 1997 ثم فضل الاستقالة ليحل محله الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة بعد انتخابه في أفريل 1999 وفي الوقت نفسه ما يزال منذ عشرين سنة سعيد سعدي ولويزة حنون وآخرون على رأس أحزابهم ولحد اليوم يطالبون كلهم بالتداول على السلطة، والتداول على السلطة حدث فعلا ، لكن الذي لم يحدث هو التداول على الأحزاب، وسؤال بريء ماذا لو طالبت السلطة بالتداول على الأحزاب قبل التداول على السلطة، ألا يكون ذلك عادلا؟ .