كثفت الأحزاب السياسية، في الأيام الأخيرة، من نشاطها ووجهت الأنظار هذه المرة نحو الشارع، في محاولة لكسب وده واستغلال ما يعانيه الشباب من مشاكل اجتماعية، لا أول ولا آخر لها، في محاولة منها لكسب رهان 2012 بعدما باتت الخشية من عزوف الناخب من التوجه إلى صناديق الاقتراع، كما حدث في المرات السابقة. حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية والبحث عن وجه إعلامي جديد خرجة حزب سعيد سعدي الأخيرة من خلال دعوته لمسيرة، يوم السبت، غير المرخصة والتي فشلت، ليس بسبب كثافة قوات الأمن فقط، ولكن لعزوف الشارع أصلا للدخول في هذه المسيرة بعدما أظهر الحزب أنه يملك أكثر من وجه، فالمسيرة لم تأت في الوقت الذي كان فيه الشارع يغلي تحت المطالب الاجتماعية، وإنما جاءت تزامنا مع الأحداث الأخيرة في تونسوالجزائر، وكأن الشارع اليوم هو الذي يصنع الحدث، وليس الأحزاب. ورغم الهالة الإعلامية التي سبقت مسيرة السبت الماضي الفاشلة، إلا أن الذين أرادوا تسيير هذه المسيرة والمشاركين فيها، ظهروا أقل من قوات الأمن. ورغم أن زعيم "الأرسيدي" حاول إشراك باقي التشكيلات السياسية أو بعضها، على الأقل، من خلال زعمه أن المسيرة شعبية وليست سياسية، إلا أن ادعاءه سقط مباشرة في ماء رفض الطبقة السياسية الإشتراك في مسيرة قد يقطف ثمارها "الأرسيدي" وحده، فضلا عن الخلافات الإيديولوجية الموجودة بينه وبين عديد الأحزاب، وربما حتى وإن أوهم سعيد سعدي بأن المسيرة هي مسيرة شعبية صرفة، إلا أن الشارع نفض يده من هذا الحزب. بعدما اكتشفت أنه يوجد في الجزائر بطالة وفقر حركة مجتمع السلم تدعو إلى إصلاحات سياسية ومشاورات مع السلطة زعيم "الإخوان" في الجزائر، اكتشف فجأة أن الجزائريين يعانون فعلا من الغلق السياسي، واكتشف أيضا أن هناك شبابا جزائريا يعاني من البطالة ومن المشاكل الاجتماعية، ومن غيرها. ومن قبل، كان غارقا في مراكب وبواخر محمّلة بمساعدات إلى غزة، للدرجة التي اعترف فيها المعني أن حركته فعلا رحلت إلى غزة في 2010. وبعد انقضاء العام، اكتشف أبو جرة سلطاني الجزائر العميقة التي كانت بالنسبة له بعيدة جدا أبعد من غزة أيضا ففضل بعد انفجار الشارع فتح نقاش وتوجيه نصائح للسلطة من خلال إجراء مشاورات معها ومع باقي التشكيلات السياسية من أجل الخروج بأرضية اتفاق ترضي السلطة وكامل الطبقة السياسية للوصول بالجزائر إلى فتح سياسي وإعلامي، ربما يعتقد الحزب أن التاريخ سيذكره إن نجح ولن تنسى له الطبقة السياسية فكره النيّر وعبقريته السياسية في تسيير الأحداث وحلها بطريقة سياسية عبقرية، رغم أن الحزب يعلم جيدا أن دعوته تشبه كثيرا ذلك الذي يحرث في البحر، لأن المشهد السياسي لدينا متناقض لحد التضارب، والاجتماع بين حزبين يعد حدثا كبيرا، فما بالك اجتماع واتفاق الطبقة السياسية مع السلطة، هذا إن سلمنا أن التحالف الثلاثي الذي تعد حركة حمس مكونا له، يمر بأزهى أيامه ويتفق في كل شيء. جبهة التحرير الوطني من ترتيب البيت الداخلي.. إلى اكتشاف العالم الخارجي مباشرة بعد ما حدث من نهب وتخريب خلال بداية جانفي المنصرم، وثورة الشباب في العديد من الولايات، انتبه الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني إلى الشارع وما يعانيه الشباب، بعدما كانت أولويات الأولويات هو ترتيب البيت الداخلي والتحضير لاستحقاقات 2012 واقتسام المقاعد أو حصد أغلبها في المجالس المختلفة، فقد أوصى الأمين العام منتخبيه في مختلف المجالس الشعبية بأن ينزلوا إلى الشارع ويستمعوا إلى المواطنين والشباب. ومثل هذا الكلام، يدل على أن منتخبي الجبهة يعيشون بعيدا عن الشارع، أو بالأحرى لا علاقة لهم به، وكان يكفي لبلخادم وهو الذي يتحدث عن عبقرية الشباب الجزائري أن يفتح صفحة في الانترنت باسمه ليتلقى مشاكل الناس وآلامهم ويفهم منهم وليس من غيرهم بالمشاكل الحقيقية التي يعيشها الشباب دون اللجوء إلى منتخبين، أقل ما يقال عنهم إن غالبيتهم خارج الإطار والصورة تماما، رغم مرور أعوام من تواجدهم على رأس البلديات، أو حتى في المجلس الشعبي الوطني الذي من المفروض أن يمثل أعضاؤه الشعب، ولكن في واقع الحال لم يعودوا يمثلون سوى أنفسهم بعدما انفرط العقد الذي كان يجمعهم بالشعب، لأن الشبيبة والشارع بصفة عامة يمكن أن يتحرك مع مثل هذا التوجه الذي اتخذه بلخادم، لو أن الحزب أحس بمعاناة الناس دون أن تحدث فوضى في الشوارع، وليس لأن الشارع في حاجة لمن يسمعه مباشرة دون وسيط ممثل في رئيس بلدية أو مناضل سياسي، وليس في حاجة إلى كلام سياسي بالتأكيد لن يحل أبدا مشاكله الاجتماعية. "الأرندي" يحذر من انزلاقات وعلى غرار باقي الأحزاب التي اكتشفت الشارع الجزائري على حين غرة، كأن هذا الشارع كان يلبس طاقية الإخفاء، طالب حزب التجمع الوطني الديمقراطي الشباب بالتعقل وعدم الانسياق وراء الأطروحات السياسية التي تؤدي إلى الفوضى، معتبرا أن بعض التشكيلات السياسية تعمل على تيئيس الشعب. كما لم يفوت الحزب الفرصة ليذكر بأن الشباب يعانون من مشاكل البطالة وأزمة السكن، مع إلزامية إيجاد حلول جذرية لهذه المشاكل. فالحزب الذي له أعضاء في الحكومة وله تمثيل في البرلمان، يعني هو يتوجه بالكلام عن المشاكل الاجتماعية في محاولة لتهدئة الشارع، ساعيا أن لا يكون ذلك مجرد كلام سياسي وعدم ترك الفراغ واستغلال ثورة الشارع ليسجل الحزب ظهوره من خلال اتهامه لبارونات السكر والزيت دون أن يقدم أسماء طبعا وكذلك اتهامه للمضاربين، هؤلاء المضاربين الذين رغم أن عددهم أكبر مما يتصوره أي محاسب، إلا أنهم يبقون دوما مجهولي الهوية بأنهم وراء الأزمة الأخيرة. وبعيدا عن الأزمات، فإن الشارع اليوم بات يطالب بتجسيد الوعود والكلام، أو الصمت، لأن خروج الطبقة السياسية عن صمتها لا يزيد الشارع سوى احتراقا، حتى لو كانت النية سليمة وهدفها تهدئة الأمور. حزب العمال.. عين على الشارع وعين على حل البرلمان مرة أخرى، بعد انتفاضة الشارع، عاد حزب لويزة حنون لمطالبته بحل البرلمان والبحث عن حل سياسي جذري لما يرى أنه أزمة سياسية في الجزائر، داعيا إلى رفع حالة الطوارئ التي يقول إنها سبب في الانغلاق السياسي. ولم يفوت الحزب الفرصة أيضا، لتجديد مطالبه بضرورة النظر إلى مطالب الشباب وفتح قنوات الحوار معهم، والتذكير بأنه كان السبّاق إلى حمل معاناة الشباب الجزائري في منابره المختلفة. ولكن الشارع الجزائري لا يهتم بمن يحمل معاناته ويتاجر بها سياسيا، قدر ما يهتم بمن يحل مشاكله الحقيقية بعيدا عن المزايدات السياسية. ووجهت لويزة حنون، رئيسة الحزب، أصابع الإتهام لبارونات السكر والزيت في التسبب في الفوضى التي حصلت مؤخرا، لكن الحزب كأنه يتناسى المعاناة الحقيقية للناس بعيدا عن بارونات السكر والزيت، لأن المشكلة الحقيقية لا علاقة لها إطلاقا برفع المواد الغذائية، بل جاءت نتيجة لتراكمات الزمن حين كان حزب لويزة وأحزاب أخرى مهتمين بالاستحقاقات القادمة دون الالتفات إلى شارع كفر بوجودهم. الجبهة الوطنية الجزائرية تساير الموجة الجديدة ولم يتخلّف حزب موسى تواتي عن الموعد، حيث سجل حضوره بقوة، مؤكدا أفكاره السابقة وما تنبأ له من أن أحداث جانفي كانت تحصيل حاصل، أو بالأحرى أنه كان يعلم بوقوعها، مطالبا بانفتاح سياسي وإلى تغييرات سياسية جذرية، رغم أن الحزب ما زال يعاني من مشاكل داخلية جعلته لم ينتبه للانفجار في آخر لحظة، ليركب بدوره الموجة ويدلي بدلوه كباقي الأحزاب ويسجل حضوره الموسمي لعل وعسى يشق لنفسه طريقا بين الأحزاب، قد توصله الطريق إلى 2012.. ومن يدري، قد توصل رئيسه أيضا إلى 2014. والشارع لا يهتم بالحسابات السياسية أو بالخبز الذي تنبأ بالانفجار، بل يحتاج إلى حلول جذرية لمشاكله التي لم تعد تحتمل التأجيل ولا "التأجيج" السياسي لها، من خلال استثمارها في الوقت الضائع، فحزب تواتي مثله مثل باقي التشكيلات السياسية، وظيفته الحديث والنقد، في محاولة للظهور السياسي والبحث عن التموقع. جبهة القوى الإشتراكية والسير في الاتجاه المعاكس حزب جبهة القوى الإشتراكية، عاد لأطروحاته القديمة. فبعد الأحداث مباشرة، راح يؤكد أنه حذّر من الانزلاقات وثورة الشارع، ولكن هذا الحزب الذي يعيش في أقصى اليسار يتحدث عن مشاكل كثيرة وعن كوارث، ولكنه لا يقدم بدائل. ومباشرة بعد الأزمة، طالب الحزب مجددا بفتح الحريات السياسة والإعلامية، وكأن كريم طابو كان ينتظر ثورة الشارع ليسايرها. والملاحظ أن الشارع الجزائري لم تعد تسيّره الأحزاب حتى الراديكالية منها بل هو الذي صار يأخذ زمام المبادرة وهو الذي يسيّر الأحزاب ويجعلها تخرج من سباتها وصمتها لتدلو بدلوها، يعني مجرد كلام سياسي ومطالب قديمة، ولكن الجديد سواء لدى حزب جبهة القوى الاشتراكية أو غيره غائب تماما عن مخيلة السياسيين مهما كانت درجة وعيهم السياسي. النهضة والإصلاح.. صباح الخير وتصبحون على خير حركة النهضة وحركة الإصلاح اللتان لم ينهضا بنفسهما ولم يستطيعا إصلاح ذات بينهما، استثمرا في أحداث جانفي وثورة الشباب قليلا، تحدثوا لبعض الوقت كتحصيل حاصل، أو بالأحرى كأنهم يقولون للناس "صباح الخير يا ناس"، ولكن سرعان ما عادوا للسبات من خلال "تصبحون على خير يا ناس"، في انتظار محرك آخر من الشارع يجرهم للكلام المباح.