لم تجلب المسيرة ''الممنوعة'' التي دعا إليها حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، مشاركة الأحزاب المحسوبة على المعارضة، وهو ما يعني أن مشكلة ''الزعامة'' وسط الطبقة الحزبية والسياسية، ما زالت تتحكم في حسابات القيادات الحزبية وتحول دون إيجاد التنسيق المطلوب لتحقيق مطالبها. رغم مسارعة رئيس الأرسيدي للإعلان بأن المسيرة ''ليست حزبية وإنما شعبية''، لإقناع أحزاب المعارضة بالمشاركة فيها والانضمام إليها، إلا أنها لم تكن كافية لتذليل هوة ''الحسابات'' القائمة منذ سنوات بين الوجوه الحزبية في إيجاد أرضية مطلبية مشتركة لمواجهة السلطة. وتكون حالة الريب والشك هذه وراء عدم مشاركة جبهة القوى الاشتراكية في مسيرة الأرسيدي، رغم رفعه لنفس المطالب ''رفع حالة الطوارئ'' وتحذيره السلطة من ''استمرار منع المسيرات''. ولا يزال الأفافاس يرى في غريمه الأرسيدي بأنه مصنف ضمن من وصفهم في بيانه الأخير بأن ''قوى التغيير لا توجد لا في السرايا ولا في الصالونات السياسية والاقتصادية ولا في الجرائد، إنما توجد في عمق البلاد''. بدوره لم يحس حزب العمال أنه معني بالمسيرة التي دعا إليها الأرسيدي بدليل عدم تطرقه إليها لا في بياناته ولا في اجتماعات هياكله الحزبية ولم يسجل له أي حضور فيها، وفي ذلك أكثر من رسالة على أن خط لويزة حنون لا يسير مع المسار الذي اختاره حزب سعيد سعدي، رغم أن مطلب حل البرلمان يشكل قاعدة مشتركة بينهما. من جانبه لم يجد حزب موسى تواتي ضالته في مسيرة الأرسيدي، بحيث لم يلتحق أي من قيادات الجبهة الوطنية الجزائرية بها، وهو نفس الخيار الذي اعتمدته أحزاب المعارضة المحسوبة على التيار الإسلامي على غرار النهضة التي دعت السلطة إلى ''قراءة صحيحة للأحداث''، وقامت حركة الإصلاح بإطلاق مبادرة ميثاق للإصلاح الديمقراطي في الجزائر دون التعاطي مع مسيرة الأرسيدي. وتظهر هذه الوضعية أن أحزاب المعارضة التي تريد دفع السلطة إلى تقديم تنازلات سياسية، ما زالت تعاني من عدم القدرة على إيجاد القواسم المشتركة بينها التي تمكنها من تحقيق ''التغيير'' الذي أحيت مطالبه الأحداث الأخيرة التي عرفها الشارع الجزائري.