اتفق المشاركون في ندوة ''الخبر''، حول الشبكة البرامجية للتلفزيون الجزائري خلال شهر رمضان، على أن المنتجين الطفيليين الذين برزوا مؤخرا لا يقدّمون إنتاجا تلفزيونيا في المستوى، ويكتفون بتقديم أعمال ضحلة تستهزئ بالمشاهد الجزائري. واعتبر هؤلاء أنه حان الوقت للقيام بنقد ذاتي شامل، لإخراج الإنتاج التلفزيوني من دوّامة الاستعجال والمناسباتية. الساحة الفنية تعجّ بمنتجين يسعون وراء الربح السريع أرجع المخرج لمين مرباح، أسباب التدهور الحاصل حاليا على مستوى الإنتاج التلفزيوني، والذي برز رمضان هذه السنة بشكل مثير للاستغراب والدهشة، إلى انعدام المعايير المهنية في اختيار المخرجين والممثلين، وكذا بروز منتجين خواص ليسوا من أهل المهنة، ما خلق تذمّرا لدى المشاهد. وأوضح مرباح أن مجال الإنتاج التلفزيوني تعرّض، خلال السنوات الأخيرة، لغزو منتجين غير مهنيين لا يملكون الخبرة الكافية، ولا يحسنون حتى قراءة السيناريو، فقدموا أعمالا عديمة القيمة. وقال إن هؤلاء المنتجين الخواص يفضّلون إسناد مهمة الإخراج لمن لا يملكون الخبرة الكافية، فانعدمت القواعد وبرزت أعمال لا تمت بأيّ صلة للإنتاج التلفزيوني، في الوقت الذي أصبح المشاهد الجزائري يطالب بالنوعية، لوجود أعمال تلفزيونية عربية وغيرها بلغت مستوى راق. من جهته، قال مخرج الأفلام الوثائقية حسين سعدي: ''بعد مرور خمس عشرة سنة، كنا نأمل أن يتحسن المستوى، لكننا للأسف نلاحظ أن الأوضاع تسير نحو التدهور المستمر''، وتساءل: ''أين يكمن الخلل؟''. وقال المخرج بشير درايس: ''علينا أن نسأل عن الأشخاص الذين أصبحوا يملأون مجال الإنتاج التلفزيوني اليوم، لا نعرف غالبية المنتجين الجزائريين الذين بلغ عددهم ألف وثلاثمائة منتج، فهم ليسوا من أهل المهنة''. مُضيفا: ''هناك أشخاص أدركوا أنه مجال مربح فاستثمروا فيه، الأمر الذي أسفر عن إنتاج عديم المستوى''. وبدورها، دافعت المنتجة سميرة حاج جيلالي عن المنتجين الجزائريين، وقالت إن الإنتاج التلفزيوني الجزائري ليس كارثيا إلى هذا الحدّ، واعترفت بوجود أعمال في المستوى. مُوضحة، في المقابل، بأن المنتج الجزائري يعمل في ظروف صعبة. وتساءلت: ''لماذا في سنة 2011، ورغم كل الوسائل المتوفرة نشاهد إنتاجا متدنيا؟. وأجابت: ''قبل محاكمة المنتج لا بدّ من توضيح الصورة، فالظروف لا تساعد على العمل مطلقا، علما أن هذا المنتج يحافظ على ثقافة بلده، ويصون تاريخه، ورغم ذلك نجد الجمارك لا تقدّم أيّ مساعدات لهؤلاء المنتجين الذين يؤدّون خدمة ثقافية، ويُعاملون كأنهم تجّار، وكذلك الحال مع مصالح الضرائب والبنوك. فهل للدولة سياسة واحدة بخصوص هذا المجال؟''. وعن الإنتاج التلفزيوني الذي شاهدناه رمضان هذه السنة، قالت حاج جيلالي: ''أرفض منطق التعميم، والدخول في ذهنية ''كل شيء رديء''. لقد شاهدنا أعمالا تلفزيونية في المستوى، سواء من حيث مستوى النص أو الإخراج، وكذا أداء الممثلين، وأخصّ بالذكر ''كاميرا شوربة''، ''هنا ولهيك''، و''خلّي البير بغطاه''''. ودعت المتحدثة إدارة التلفزيون إلى فتح حوار حقيقي مع المنتجين الخواص لتحسين الإنتاج، وطالبت لجنة القراءة بالعمل وفق مبدأ الشفافية. بهية راشدي: ''أخّام نالدّا مزيان'' أطفأ الجمرة التي كانت في صدري وصفت الممثلة بهية راشدي، الإنتاج التلفزيوني لرمضان الجاري ب''دون المستوى''. وقالت في تصريح ل''الخبر''، إن بعض المسلسلات التي شاهدتها لا تستجيب لذوق المشاهد. وركّزت على مسلسل ''دار أم هاني'' بالقول: ''الحوار في المسلسل ناقص، والتمثيل جاء دون المستوى، باستثناء طبعا الدور الذي أدّته الممثلة فريدة صابونجي. إضافة إلى أداء ليندة ياسمين التي كانت في منتهى التلقائية، أما بقية الممثلين فكانوا كما يشبه السباحة الحرة''. وأضافت: ''لقد خاب ظني كثيرا في بعض الإنتاجات، والمسؤولية تقع على عاتق الجميع، بدءا بإدارة التلفزيون الذي لم يعط الضوء الأخضر للمنتجين إلاّ قبل ثلاثة أشهر من حلول رمضان، وصولا إلى المنتج الذي رضي بالمجازفة والاستهزاء بالمشاهد''. وذكرت راشدي أن ''بعض الممثلين الذين ظهروا في مسلسل ما، كان عليهم أن يرفضوا أدوارا أخرى، لكننا أصبحنا نشاهدهم في الومضات الإشهارية، في الدراما والكوميديا، وهذا كثير''. مُردفة: ''في عهد السيدة نورية، وكلثوم ورويشد، كان التمثيل في المستوى، لأن الممثل يتفرّغ للتمثيل فقط.. أما الآن فالكل بات يبحث عن الربح السهل، ولا أحد يكلف لنفسه عناء قراءة السيناريو بعمق لقبول الدور عن قناعة، ورفضه عن قناعة كذلك''. ومن بين سلبيات ما قُدّم للمشاهد هذه السنة، قالت بهية راشدي: ''الحوارات ضعيفة، والأكيد أن المختصين ليسوا هم من يكتبها. ثمّة شباب مثقف خرّيج جامعات يرفض مثل هذه الضحالة. وهناك سيدات بيوت تعلّمن الكثير من الدراما العربية، ويطالبن بالجيد. للأسف خاب ظني هذه المرة. وكل الذين ألتقي بهم في الشارع يقولون لي: هل يعتقدون أننا أطفال صغار حتى يقدّموا لنا برامج بهذا المستوى؟''. وصرّحت بهية راشدي أن مسلسل ''أخّام نالدّا مزيان'' شكّل الاستثناء، حيث جاء حاملا لكل مقاييس العمل الدرامي الناجح. وقالت: ''إنه عمل ممتاز، أعجبني كثيرا وأطفأ الجمرة التي كانت في صدري كمشاهدة''. ''جمعي فاميلي''.. عمل عادي اعتبر حسين سعدي أن ''جمعي فاميلي''، سواء أكان في شكله القديم أو الجديد، ليس بالعمل التلفزيوني الذي يرقى إلى مستوى عالٍ. وأوضح أن درجة المشاهدة التي حظي بها، ناتجة عن عدم وجود عمل منافس نجح في تجسيد المعايير الفنية. وقال بشير درايس إن الصحافة هي التي رفعت من شأن ''عائلة جمعي'' وروّجت لها، في حين نجده عملا متوسطا. وعقّب سعدي: ''هو عمل عادي، لكن علينا أن ندرك أن هذا المستوى نتج عن المقابل المادي الذي يدفعه التلفزيون لشراء الأعمال التلفزيونية. هذا المقابل قليل جدا، فلجأ بعض المخرجين هذه السنة لإدراج بعض العلامات التجارية في أعمالهم لتعويض النقص المالي، وهذا في حدّ ذاته يعدّ انحرافا خطيرا''. ''حيدو وميدو'' رداءة تقدّم للمغتربين انتقد بشير درايس وحسين سعدي، سلسلة ''حيدو وميدو'' التي تبثّها ''كنال ألجيري''، مباشرة عقب إفطار المغتربين الجزائريين. وقالا إنها سلسلة رديئة جدا، وغير قادرة على منافسة البرامج التلفزيونية، التي تُعرض على مستوى قناتي ''نسمة تي في'' و''بور أف أم تي في''. التلفزيون همّش إلياس سالم وعبدالنور زحزاح استغرب لمين مرباح، عدم استدعاء التلفزيون الجزائري لمخرجين جزائريين نجحوا في تقديم أعمال سينمائية ناجحة. وقال: ''اندهشت لعدم استدعاء إلياس سالم وعبدالنور زحراح، اللذين نجحا في تقديم أعمال سينمائية في المستوى''. وأضاف: ''علينا أن نكف عن العمل وفق منطق الإعلانات، وعلى مديرية الإنتاج أن تتصل بالمهنيين القادرين على تقديم أعمال في المستوى''. التقنيون هم من يمارسون الرقابة اعترف لمين مرباح، أن الرقابة في التلفزيون الجزائري لا تُمارس على مستوى المسؤولين، سواء أكان المدير العام أو مدير القناة. وقال: ''التقنيون الصغار هم من يفرضون منطقهم، ويقصّون المشاهد التي يريدونها، ويعتقدون أنها تمسّ بالأخلاق''. عنتر هلاّل: ''إنهم يستهزئون بالمشاهد'' اعترف الممثل عنتر هلاّل، بأن مستوى البرامج التلفزيونية في رمضان تسير من سيئ إلى أسوأ. قائلا في تصريح ل''الخبر'': ''أنا مندهش من تراجع المستوى، إلى درجة أن إنتاج زمان تفوّق على إنتاج اليوم''. وانتقد هلاّل المنتجين الخواص الذين يفضّلون التعامل مع ممثلين عاديين، وأشخاص لا علاقة لهم بفن التمثيل، بدل التعامل مع الممثلين المحترفين. واتّهمهم بالعمل على تحقيق الربح السريع. وفي المقابل، فنّد هلاّل أن يكون الممثلون المحترفون يفرضون على المنتجين مستحقات مالية مبالغ فيها. وأوضح: ''المنتجون الخواص يبحثون عن السهولة، وهم غارقون في ''البريكولاج''''. مضيفا أن الإنتاج التلفزيوني عندنا غرق في اللاّمهنية، ومن مظاهر غياب المهنية، حسبه، أن المخرج الذي من المفروض أن يهتمّ بالجانب التقني، هو من يختار الممثلين، ويدير أداءهم، في ظل غياب دور المدير الفني الذي يصحح أخطاء الممثلين ويدفعهم نحو الأداء الجيد''. وختم هلاّل تصريحه بالقول: ''إنهم يستهزئون بالمشاهدين. لا يوجد ضحك ولا شيء آخر. التلفزة الجزائرية أصبحت يتيمة فعلا''. اختيار الممثلين خاضع لاعتبارات القرابة والصداقة كشف بشير درايس، أن غالبية المخرجين والمنتجين الجزائريين يتعاملون مع اختيار الممثلين بشكل غير مهني، يخضع لاعتبارات الصداقة والقرابة في أغلب الأحيان. وأوضح بأن النجوم الكبار اختفوا عن الإنتاج الرمضاني بسبب هذه الاعتبارات التي ترهن نجاح أيّ عمل فني تلفزيوني. ويعتقد درايس أن الممثلين الذي ينشطون على مستوى المسارح الجهوية مثلا، لا تعطى لهم فرصة الظهور، لأنهم لا يقطنون في العاصمة. وقال إن غالبية المنتجين في الجزائر العاصمة، مثلا، يفكّرون في الأموال التي تُصرف على ممثل قادم من وهران، مثلا، وليس بإمكانه أداء الدور باقتدار، فتجدهم يبحثون عن شخص يؤدّي الدور بأقل التكاليف، وضمن فضاء ضيّق لا يتعدّى أقاربهم وأصدقائهم، وهو ما يمكّنهم من التقليل من حجم المصاريف''. واتفقت سميرة حاج جيلالي مع بشير درايس، لكنها أصرّت على الدفاع عن المنتجين الخواص بالقول: ''نعرف أن الممثلين الكبار عندنا لا يعملون إلاّ في شهر رمضان، وبالتالي يعتقدون أن العمل في هذا الشهر عبارة عن فرصة لا تعوّض للحصول على أكثر من دور، وعلى أكبر مستحقات مالية، وهذا ما يدفع المنتجين إلى التعامل مع ممثلين مبتدئين''. قالوا: سميرة حاج جيلالي: ''ارتفع عدد السيّاح في تركيا بسبب الدراما'' قالت سميرة حاج جيلالي، إن الدراما التلفزيونية بإمكانها التأثير على العديد من مجالات الحياة في أيّ بلد كان، فهي تعكس تقاليد وثقافة البلد، وقدّمت مثالا الدراما التركية الجيدة، التي ساهمت في رفع نسبة توافد السيّاح خلال السنوات الأخيرة. لمين مرباح ينتظر ''العصفور المنسي'' أوضح لمين مرباح، بأنه مازال ينتظر عرض فيلمه الأخير ''العصفور المنسي''، الذي قدّمه للتلفزيون قبل شهر رمضان. وقال: ''الفيلم شاهده مدير البرمجة، لكن إلى غاية اللحظة لا أعرف مصيره''. درايس يتساءل عن إيديولوجية التلفزيون تساءل بشير درايس، عن الإيديولوجية التي يمثلها التلفزيون الجزائري حاليا. وقال: ''أعتقد أن الخوف من الحداثة والعصرنة أصبح سلوكا منتشرا، فقد انتصر التيار المحافظ، وفرض منطقه بشكل ملفت للانتباه''. حسين سعدي: ''مللنا من حميد عاشوري وكمال بوعكاز'' يعتقد حسين سعدي، أن المشاهد الجزائري أصابه الملل والتخمة من الظهور المتكرّر لنفس الممثلين الذين أصبح يشاهدهم في المسلسلات والومضات الإشهارية، دون أن يكلف هؤلاء أنفسهم عناء اختيار عمل تلفزيوني واحد خلال شهر رمضان. وقال: ''أصبحنا نشاهد حميد عاشوري وكمال بوعكاز في كل مكان، ما أوجد حالة من الملل لدى المشاهد''.