إنّه النِّداء الإلهي.. إذا أعلن عنه يوم القرعة ذلك اليوم المشهود لكثير من المسجلين وقد اختلطت فيه أوراقهم داخل صندوق الاقتراع بقلوبهم.. لا تكاد تُفَتّحُ واحدة حتّى تفتح القلوب وتطير الأفئدة وتشدّ الأنظار وتحبس الأنفاس... فإذا سمع أحدهم مناديه ينادي هَلِّل وكَبِّر واستقبل من الحاضرين تهانيهم.. وكلّ منهم تمنَّى أن يكون التالي في النّداء.. وهو على يقين أنّه إذا نادى المنادي ودعَا الداعي فلا رادَّ لفضله سبحانه.. ذلك أنّه اجتباء ربّاني.. وكيف لا يكون كذلك والوافدون إلى بيته العتيق هم وفده وضيوفه.. خرجوا من القاعة وهُم بين مسرور شاكر وجهه يتلألأ وهُم قليل بحكم العدد.. وحزين كسيف لسان حاله ما قاله الإمام البرعي وقد تقطّعَت به السُّبُل: يا راحلين إلى مِنًى بانقياد شوّقتمو يوم الرّحيل فؤادي سِرتُم وسار دليلكم يا وحشتي العيس أطربني وصوت الحادي لي مِن رُبى أطلال مكة مرغب فعسى الإله يجود لي بمرادي النّاس قد حجُّوا وقد بلغوا المُنَى وأنا حججتُ فما بلغتُ مرادي يا ربِّ أنتَ وصلتهم وقطعتني فبحقِّهم يا ربِّ حُل قيادي لله يا زُوّار قبرَ محمّدٍ مَن كان منكم رائحاً أو غاد فليُبلِّغ المختار منّي ألفَ تحية مِن مُحبّ متّبِع متقطع الأكباد قولوا لهُ عبدُ الرّحيم مُتَيَّمٌ مفارق الأحباب والأولاد ومع هذا الحرمان الممزوج بالشّوق والألم.. لم ييأس ولم يقنَط فهو على يقين أنّ دوره لم يحِن بعد... أمّا الفائزون وقد دخلوا مرحلة الإعداد وتجديد العهد.. إعداد نفسي ومادي.. وتجديد العهد مع الله عزّ وجلّ بالتّوبة النّصوح وقطع العلاقة مع ماضيه السيِّئ.. فقد كان وبحُكم الفطرة مسرفاً على نفسه.. مطيعاً لهواه.. وهاهي الفرصة الآن لطي صفحة وبدء أخرى وقد فتح الله عليه بها..