الناتو لن يغادر ليبيا إلا في حالة قيام مقاومة من قبل الليبيين أنفسهم في السنوات القادمة. وقد علّمنا التاريخ أن الاستنجاد بالقوي لن يكون من دون مقابل، وحصل ذلك في مصر عندما استنجد الخديوي بالبريطانيين الذين لم ينسحبوا إلا بعد 75 سنة، ونفس الشيء حصل في العراق، حيث استنجدت الدول الخليجية بالقوات الأمريكية لحمايتها من صدام حسين ومازالت تحتل العراق إلى يومنا. ورغم تصويت مجلس الأمن، أمس، على إنهاء التفويض بتواجد الناتو في ليبيا، إلا أن التحالف الأطلسي المعلن عنه أول أمس للبقاء في ليبيا بغرض مساعدتها أمنيا، يعتبر في نظر المختصين في شؤون السياسة الدولية بمثابة عملية احتلال، لأنه لا يستند لأي شرعية دولية ولا حتى ليبية، لأن المجلس الانتقالي، الذي وافق على بقاء هذا الحلف، لا يستند لأي تفويض من طرف الشعب الليبي، لأن المجلس هيئة معيّنة مؤقتا وليست منتخبة. وحتى تعيين قطر على رأس هذا التحالف ليس سوى عملية امتصاص لأي شعور بالغضب لدى شريحة من الشعب الليبي من تواجد قوات مسيحية على أراضيه. وعندما نتجرد من كل عاطفة ونقدم البراغماتية في هذا الموضوع نطرح السؤال: لماذا تنسحب القوات الغربية من ليبيا مادام الليبيون هم الذين استنجدوا بهم، وكيف يمكن لساركوزي أن يترك الكعكة وهو الذي صال وجال في ليبيا وحرر المدن بطائرات الميراج وساعد مقاتلي المجلس الانتقالي على إسقاط امعمر القذافي. وهل يغفر الفرنسيون لساركوزي إن هو ترك كنزا يعد بمئات ملايير الدولارات وفرنسا تعاني الأمرّين، وهي على عتبة الإفلاس جراء الأزمة المالية التي تتخبط فيها أوروبا. إن الوضع القائم اليوم في ليبيا سيستمر على ما هو عليه، وبالتالي فإن الخريطة الجيو سياسية ستتغير جذريا، حيث ستصبح للجزائر حدود مع فرنسا على الجهة الشرقية، الأمر الذي كانت تتخوف منه منذ البداية، لأنها البلد الأكثر دراية بما يعني أن تحلق الطائرات الفرنسية على حدودنا الشرقية، بالإضافة إلى تمركزها على الجهة الغربية في تحالفها الدائم مع الجارة المغرب. وبما أن أوروبا مهددة بالإفلاس المالي فكل الاحتمالات تبقى قائمة. ألم تستغل فرنسا حادثة المروحة لاحتلال الجزائر عندما كانت مهددة بالجوع؟