الصراع بين المبدع والسلطة اتخذ، اليوم، شكلا آخر، وربما مضحكا أحيانا.. فالسلطة أصبحت أكثر حذرا في التعسف مع المبدع، وأصبح المبدع أكثر مقدرة على الإفلات. وسهلت وسائل الاتصال الحديثة، عملية الإفلات هذه. السلطات لا شك أنها ليست مغفلة، وإلا كيف أصبحت سلطات؟!.. فأدركت أن عليها أن تتفهم أو تتظاهر بتفهم هذا الوضع الجديد، فمنحت الكاتب حرية أوسع، فسمحت له مثلا بكتابة عبارة ''السلطة''، وكان في السابق يقول الجهات المختصة، أو الجهات العليا، وكأن الآخرين جهات سفلى؟!..ولكن الحرية التي منحتها إياه، ظلت تحت وصايتها، أي أن بعض السلطات لاتزال تعتبر المبدع قاصرا ويحتاج إلى وصاية، وبالتالي فهو لا يعرف مصلحة نفسه، وقد يجرح أصابعه إن عبث بريشة القلم، وقد تضع له مريولا أسفل ذقنه كي لا يوسخ ''ثيابه الوطنية'' أثناء الكتابة! لذلك غالبا ما تنظر السلطات إلى نفسها على أنها هي الأحرص على الأوطان، وبأن المبدعين ما هم إلا أناس عابثون ومخربون ومارقون ولا يصلحون لحراسة أمن الوطن. تتبدل الأشياء مع الأيام، وتغير أشجار الحياة أرواقها في فصول الدهر، ويمضي الناس إلى حيث الثرى الأخير، بينما يظل الورق نابضا بالإبداع.. إنه روح الحياة الأزلية التي لا تفنى.. بينما تتهاوى السلطات.. [email protected]