هل تغيرت الأمور في المغرب حقا بين عشية وضحاها وانقلب الملك على نفسه في أسابيع معدودة، ليتحول من حاكم فردي إلى رجل ديمقراطي؟ حتى أن وزارة داخليته تعاملت بليونة غريبة مع انتخابات مصيرية، نظرا للظروف الحساسة التي تمر بها المملكة، في الآونة الأخيرة. وأصبحت الأمور توحي وكأن الصندوق هو الذي أفرز فعلا فوز حزب إسلامي في حجم حزب ''العدالة والتنمية''. كل المؤشرات تدل على أن ''التخياط'' لعب دوره بقوة خلال اقتراع ال 25 من جانفي الماضي. وكان لابد على الملك محمد السادس أن يبني سيناريو جديد، وبشكل محكم، حتى يتمكن من الخروج من عنق الزجاجة التي وجد نفسه فيها، منذ أن بدأ المغاربة ينزلون إلى الشارع في إطار ما يسمى ''حركة 20 فبراير''. وقد انتاب الخوف مختلف دوائر المخزن، بشكل خاص، لما بدأت بعض الدوائر الغربية تعبر عن قلقها من إمكانية تهديد الحراك العربي لأسس الملكية الدستورية في المغرب، وتأثيرها على مختلف الملكيات العربية. حيث سبق لصحيفة ''الفاينانشل تايمز''، في تقرير بعنوان ''الملكيات العربية تراقب المغرب بقلق''، أن أشارت إلى أن انتقال الاحتجاجات إلى المغرب، التي كانت تعتبر واحة في الاستقرار، خاصة أن شعبها يحترم الملك محمد السادس، أظهر أن النظم الملكية ليست محصنة ضد التغيير''. ويضيف التقرير أن ما يواجه الملك محمد السادس من احتجاجات، بسبب الظروف الاقتصادية وغياب الديمقراطية الحقيقية، يجعل جميع الممالك العربية تخشى رياح التغيير. ولعل هذا التحذير هو ما دفع فيما بعد ملوك الخليج إلى دعوة الملك المغربي للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي، بغرض العمل الموحد ضد التهديدات التي تواجه الملكيات، خاصة وأنه في حالة سقوط مملكة واحدة فإن ذلك يعني سقوط باقي الملكيات الأخرى. ويبدو أن التجربة الانتخابية في تونس، وفوز حركة ''النهضة'' بزعامة الغنوشي، والصورة التي قدمتها للعالم كله على أنها أول انتخابات حرة في الوطن العربي ما بعد الربيع العربي، قد أعطت أفكارا جديدة للملك محمد السادس، والوصفة ببساطة هي أن تترك المواطن ينتخب بكل حرية، لأن النتيجة، اليوم، معروفة مسبقا، إذ ستفوز الأحزاب الإسلامية آليا في كل الدولة العربية التي قد تنظم فيها انتخابات، شريطة أن تكون انتخابات شفافة. وما يبقى على المخزن سوى اختيار الحزب الإسلامي الذي يمكن أن يساومه في الخطوط الحمراء التي لا تقبل المساس. وقد بدأت بعض الأصوات في المغرب ترتفع وتتكلم عن الجذور المخزنية لحزب ''العدالة والتنمية''، وتضيف أنه عندما كان اليسار في طليعة المعارضة في المغرب استخدم المخزن أحزابا قريبة من هذا الاتجاه، ومنهم الحزب الاشتراكي، واليوم لابد من استغلال التيار الإسلامي لإطالة عمر المخزن، وقد وقع الاختيار على حزب ذو توجه إسلامي، لكنه في الحقيقة لا يختلف كثيرا عن باقي الأحزاب في دفاعه عن الوضع القائم، والدليل أن هذا الحزب سبق له أن ناضل من أجل بقاء وزارات الداخلية والخارجية والعدل والشؤون الإسلامية السيادية تحت الإشراف الملكي المباشر. فهل يمكن للمخزن أن يجد أحسن من هذا الحزب الإسلامي المعارض لإطالة عمره؟