تسببت أزمة الديون السيادية بمنطقة الأورو خلال السنة الجارية في إسقاط حكومات اليونان وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال بعد الصدمات التي أحدثها القطاع المالي في تلك الدول، ومخلفا آثارا كارثية تتمثل في تهديد العملة الأوروبية، وبداية فقدان الثقة في اقتصاد المنطقة أمام التخوف من عجز عدد من دول الاتحاد على الالتزام بتعهداتها المالية. وتحوّلت أزمة القطاع المالي في سنة 2011 إلى أزمة تهدد كيان الاتحاد الأوروبي في ظل الديون المتراكمة على الدول الأعضاء في الاتحاد وعجز ميزانياتها، ما وضع حكومات تلك الدول بين سندان ضغوط شعوبها ومطرقة التزاماتها الاقتصادية الأوروبية بسبب الحجم الكبير لديون عدد من الدول، منها اليونان وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال وإيرلندا. ويقدر حجم ديون دول منطقة الأورو ب5,12 ألف مليار دولار، ما يعادل %85 من إجمالي حجم اقتصاد تلك الدول. فدول مثل اليونان والبرتغال وإيرلندا وإسبانيا وإيطاليا أصبح وضعها المالي غير مستقر، حيث بلغ إجمالي ديونها مجتمعة نحو 3,4 ألف مليار دولار، مما يهدد وضع القطاع المصرفي في أوروبا ككل، والذي دفع الاتحاد الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي إلى البحث عن حلول مناسبة، وذلك عن طريق تفعيل دور صندوق الاستقرار النقدي الأوروبي الذي تبلغ قيمة محتوياته المالية 600 مليار دولار، ليشمل ضمان إصدار السندات السيادية وشراء بعضها، بالإضافة إلى ضخ السيولة في القطاع المصرفي عن طريق إقراض البنوك. وأجمعت المؤسسات المالية العالمية على أن الحل الوحيد لتجاوز الدول المثقلة بديون ضخمة، والمهددة بانهيار الاتحاد الأوروبي، يتمثل في تطبيق سياسة تقشفية من خلال خفض الإنفاق الحكومي لأدنى مستوى له وتقليص عجز ميزانيات تلك الدول. فمعدل عجز ميزانيات دول منطقة الأورو بلغ 6 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، وهو مستوى يتجاوز بكثير معدل 3 بالمائة المتفق عليه في اتفاق ''ماستريخت'' المؤسس للاتحاد، ما يعني فشل هذا الأخير في بلوغ أحد أهم أهدافه. ولكن هذه الحلول حسبما أكده الخبراء الاقتصاديون، ستؤدي إلى ركود اقتصادي بدأت ملامحه بالظهور، علاوة على خفض أجور العمال لسنوات عديدة. كما ستدفع هذه السياسة إلى تسريح مئات الآلاف من الموظفين والعمال، مما يعني زيادة في نسب العاطلين عن العمل، إضافة إلى ازدياد نسبة الفقراء، ما أثار موجة من الاحتجاجات انتهت بإسقاط حكومات في كل الدول المتأثرة بأزمة الديون السيادية، منها حكومات ثباتيرو بإسبانيا وبرلسكوني بإيطاليا وباباندريو في اليونان. ولا تقتصر انعكاسات الأزمة الأوروبية وركودها الاقتصادي على الوضع الداخلي، بل يتعداه ليصل إلى كافة الدول منها الجزائر التي تعتمد على الاتحاد كمصدر لاستيراد 75 بالمائة من حاجياتها، في حين أن 55 بالمائة من مداخيلها المتأتية من صادرات المحروقات تحقق في إطارات مبادلات تجارية مع الاتحاد الأوروبي.