السلطة في هذا البلد تنهى عن خُلق وتأتي بمثله وليس عليها من عار إذا فعلت عظيم..! هي تقول للناس وللأحزاب التي تزيّن واجهة برلمانها "لا تستعملوا الدين لأغراض حربية أو سياسية"، غير أنها لا تتوانى عن استغلال الدين والمؤسسات الدينية والخطاب الديني لصالحها ولصالح برامجها وحتى لتبرير أخطائها والتغطية على رداءتها ونواقصها. عندما وقعت فيضانات باب الواد لم نرهق أنفسنا بتقصّي الحقائق والتحقيق في أسباب الكارثة وانعدام مخطط لمواجهة الأخطار الكبرى لسبب بسيط أنها كانت بفعل الله الذي قدّر ما شاء فعل، وحينما وقع زلزال بومرداس وهوت المنازل على رؤوس ساكنيها وتأخّر مدد الحماية والإنقاذ وسقطت ورقة التوت التي كشفت عورات الإدارة والتسيير لا صوت علا على صوت القضاء والقدر و "حاجة ربي".. وكرّست وزارة الشؤون الدينية تقليدا جديدا معروفا في الشرق أكثر يتمّ بموجبه الدعاء لولي الأمر كي يحفظه الله ويمدّد في عمره وصحته وأن يهبه البطانة الصالحة التي تعينه على أداء مهامه الشاقة في خدمة البلاد والعباد. ولأن السلطة تحتاج إلى الأحزاب لتزيّن واجهتها الخارجية تحتاج إلى الإسلام الذي هو دين الدولة من أجل تكريس ثقافة اشتهر بها أهل السُنّة وهي طاعة أولي الأمر وعدم الخروج عليهم، مثلما تحتاج إلى الإسلام الذي يحضّ على التضامن الاجتماعي والتكافل الوطني. ولأنها تحتاج إلى ذلك وأكثر باعتبار الإسلام إسمنت الوحدة الوطنية والمادة الأولية للغة الخشب والصخر، يسرع الدين إلى نجدة السياسي في هذا البلد خاصة في أوقات الحرج إن كان السياسي يتحرّج من الرأي العام أصلا..! يسرع الدين لنجدة السياسي ولا يخذله أبدا، ويمكن الجزم يقينا بأنه لن يخذله أبدا في تاريخ الجزائر المستقلة، ولذلك يفسح المجال دائما لاستبعاد النقد والجدل حينما يتعلّق الأمر بتسيير البلد وشؤون الناس، وبذلك نفهم التصريح الأخير لوزير الشؤون الدينية والأوقاف السيد بوعبد الله غلام الله الذي قال براحة تامة: إن فيضانات غرداية مصيبة أراد الله بها اختبار إيمان الجزائريين وصبرهم على المكاره"..! هي السلطة لا تتوانى عن شيء ولن تعدم وسيلة إلاّ وظّفتها في سبيل السياسة حتى ولو كانت المقدّس.. "ربي في السماء والحكومة في الأرض". قول شعبي بليد !