مع الشروع في مناقشة قوانين الإصلاح والمصادقة على بعضها من طرف البرلمان، تأكد بما لا يدع مجالا للشك بأن التغيير لن يتأتى على يد الطبقة السياسية الحالية. والملاحظ أن الأغلبية الحاكمة تعمل على صياغة قوانين ''جديدة'' بطريقة تجعلها لا تمس ولا تغيّر شيئا في الممارسات ''القديمة''، وهو أمر طبيعي، فهي منتفعة من الوضع القائم وتدرك أن تغييره يعني نهايتها. أما بعضهم الآخر، فقد ركب موجة المعارضة، بعد سنوات طويلة من التهليل والتطبيل لكل ما تقوم به السلطة، وهو توجه تغذيه أوهام الظفر بالحكم على غرار ما حدث في بعض دول الجوار، مع أن هذه الأطراف تدرك في الواقع أنها فاقدة للمصداقية ولن تحقق ما حققته نظيراتها في هذه الدول. وإذا كان المواطن يقابل ما يجري تحت قبة البرلمان بعدم الاكتراث، فذلك لأنه يدرك بأن الخلافات والنقاشات الجارية مجرد مهاترات حول شكليات وأمور تقنية لن تغيّر في واقع الحال شيئا، ولن يكون لها أي أثر على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية. والحال هذه أعتقد بأنه لا سبيل لإصلاحات ''جذرية وعميقة'' إلا بالتوجه نحو الأغلبية الصامتة التي لا صوت لها إلا عندما ''يوصل الموس للعظم'' فتخرج للشوارع تقطع الطرقات وتغلق المؤسسات، وأحيانا تحطم الممتلكات. إن التغيير المنشود، في اعتقادي، يهدف بالدرجة الأولى إلى السعي نحو تغيير المشهد السياسي وتجديد كوادره التي فشلت في قيادة البلاد نحو الديمقراطية ودولة القانون، ومع ذلك تتشبث وترفض الرحيل. وبذلك فإن السبيل الوحيد لسحب البساط من تحت أقدام هؤلاء الفاشلين يكمن في توفير الشروط الضرورية لتنظيم الأغلبية الصامتة في جمعيات، لا تكون مجرد لجان مساندة، مثلما هو حال أغلب الجمعيات المتواجدة حاليا، بل قوة اقتراح تحمل انشغالات المواطن وتساهم في البحث عن سبل الاستجابة لها. وإذا وجد النشاط الجمعوي المناخ المناسب، فإن ممارساته الميدانية كفيلة بإبراز طاقات وقيادات جديدة مؤهلة لإحداث التغيير الضروري في مشهدنا السياسي، والبلاد تتوفر على كفاءات كبيرة محيدة ومهمشة، مستعدة لتقديم إسهاماتها إذا ما استطاعت إلى ذلك سبيلا. وختاما أقول إن التغيير ''الجذري والعميق'' مرهون بمدى القناعة بمقولة ''ألقوا بها إلى الشعب...''. [email protected]