أظلّنا شهر ربيع الأوّل الّذي يحمل معه ذِكرى عزيزة وغالية نفيسة وطيّبة سنية، ذِكرى جعلت البشرية تسلك طريق الرُّشد وتطوي طريق الغي، ذِكرَى بَدَّدت ظلمات الجهل والجاهلية، ذِكرى كسَّرت أوثان الشِّرك والوثنية، ذِكرى فصَلت بين الكفر والإيمان، إنّها ذِكرى ولادة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم. l إنّ محبَّة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فضلها في الإسلام عظيم، ومكانها في الدِّين معلوم، لا ينكرها إلاّ جاحد مذموم، فإنّ كلّ عاقل لبيب لا ينبغي إلاّ أن يُحبَّ الرّسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم لأنّه عليه الصّلاة والسّلام جامع للمعاني الموجبة لمحبَّة، ولهذا كان إيمان العبد المسلم لا يكمل إلاّ إذا كان شفيع الأمّة سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحبَّ إليه من نفسه ووالده وولده والنّاس أجمعين. هاهو سيّدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيما رواه البخاري ومسلم بسنده إلى عبد الله بن هشام قال: كُنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو آخِذ بيد عمر بن الخطاب فقال له عمر: يا رسول الله لأنتَ أحبُّ إليَّ من كلّ شيء إلاّ مِن نفسي، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: لا والّذي نفسي بيده حتّى أكون أحبّ إليك من نفسك، فقال له عمر: فإنّه الآن والله لأنت أحبَّ إليَّ من نفسي، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ''الآن يا عمر''. أي الآن عرفتَ فنطقتَ بما يجب. وإنّ أولى العلامات الّتي تدل على محبّة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الاقتداء بسيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الأمور كلّها، صغيرها وكبيرها، واتّباع أقواله وأفعاله، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، والتأدُّب بآدابه في العُسر واليُسر، في المَنشَط والمَكْرَه، قال الله عزّ وجلّ: ''قُل إنْ كنتم تُحبّون الله فاتّبِعوني يُحبِبكم الله''. وروي أن المسلمين في عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالوا: يا رسول الله، والله إنّا لنُحبّ ربّنا، فأنزل الله عزّ وجلّ ''قُل إن كنتم تُحبُّون اللهَ فاتّبعوني''. قال الحافظ ابن كثير معلِّقاً على هذه الآية: هذه الآية الكريمة حاكمة على كلّ مَن ادَّعى محبَّة الله، وليس هو على الطريقة المحمّدية، فإنّه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتّى يتّبِع الشّرع المحمّدي والدِّين النّبويّ في جميع أقواله وأحواله، كما ثبت في الصّحيح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: ''من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رَدٌّ''، ولهذا قال ''قُل إنْ كنتم تُحبُّون اللهَ فاتَبِعوني يُحبِبْكم الله'' أي يحصل لكم فوق ما طلبتُم من محبّتكم إيّاه، وهو محبّته إيّاكم، وهو أعظم من الأوّل. قال الحسن البصري وغيره من السلف: زعم قوم أنّهم يُحبُّون الله فابتلاهم الله بهذه الآية. المحبَّة مقياسها الاتّباع والمسارعة لأمر الله ورسوله والانتهاء عمّا نهى الله ورسوله، وأن تُؤْثِر ما عند الله ورسوله على ما عندك وعند غيرك، وأن تُحبَّ ما يُحبّ الله ورسوله وأن تكره ما يكره الله ورسوله، فإن كانت المحبَّة على هذا النسق كانت محبّة كاملة نافعة، يذوق صاحبها حلاوة الإيمان، أخرج البخاري بسنده إلى أنس عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ''ثلاث مَن كُنّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه ممّا سِواهما، وأن يُحبّ المرءُ لا يُحبّه إلاّ لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يُقذَف في النّار''. وروى الشّيخان بسندهما إلى أنس بن مالك قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله متَى السّاعة؟ قال: ''ما أعْدَدتَ للسّاعة؟ قال: حُبّ الله ورسوله، قال: ''فإنّك مع مَن أحبَبتَ''، قال أنس: فما فرِحنا بعد الإسلام فرَحاً أشَدّ مِن قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فإنّك مع مَن أحببتَ، قال أنس: فأنا أحبّ الله ورسوله وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمَل بأعمالهم''. إنّ سيّدنا أنس فرح بقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، لأنّه يُحبّ الله ورسوله، فهل كذلك نستطيع أن نقول إنّنا نُحبّ الله ورسوله صادقين في أقوالنا وأحوالنا. فاللّهمّ اجعَل علانيتنا كسِرِّنا، ووفّقنا لاتّباع رسول الله في أقوالنا وأفعالنا، وأمِتنا على مِلّة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. إمام مسجد الإمام مالك - تلمسان