تشير المعلومات الواردة من قيادات أركان بعض الأحزاب وهياكلها القاعدية، إلى أن الصراع بدأ يحتدم حول رؤوس قوائم المترشحين للتشريعيات القادمة، وأن الكثير من عناصر الحرس القديم لهذه الأحزاب شرع في اتصالات ومناورات لتحييد المنافسين المفترضين، وإعادة الدفء للعلاقات مع بعض المعارف والأحباب واسترجاع عناوينهم وأرقام هواتفهم التي كانت قد محتها من الذاكرة غداة الانتخابات السابقة. ويبدو من هذا المنطلق، أن وقت ''تسليم المشعل'' الذي يجري الحديث عنه منذ الاستقلال لم يحن بعد، مادام البعض يتنقل في مناصب المسؤولية بين الهيئات المنتخبة والجهاز التنفيذي، منذ أكثر من أربعين سنة، ويرفض الرحيل. وإذا تأكد تصدر الوجوه القديمة، وأصحاب ''الشكارة'' القوائم الانتخابية، فذلك يعني أن الأحزاب لم تعتبر، ولم تستخلص الدروس، أو أنها ببساطة تتعنت وترفض التغيير، وهي بذلك تعرض البلاد لأخطار تتحمّل مسؤوليتها الكاملة، لأن كل عاقل يدرك اليوم أنه لا مناص من التغيير، أو على الأقل، الشروع في التغيير الذي يريده الجزائريون سلميا، نجسده بإرادتنا، ولا يفرض علينا، وتكون غايته العدالة والديمقراطية والحريات. ولست أدري لماذا تصر بعض الأحزاب على إعادة إنتاج الفشل بوجوه كانت لها مناصب في الأجهزة التنفيذية وعهدات انتخابية، لم تنشغل خلالها سوى بمصالحها الشخصية وبكيفية حصد أكبر قدر من المنافع والامتيازات؟ ويعلم كل الناس أن هذه الوجوه التي تقلدت المسؤوليات لعشريات من الزمن، سوّت كل مشاكلها المادية وضمنت مستقبلها ومستقبل أبنائها، وحتى أحفادها ومع ذلك تريد المزيد، عجيب أمر هؤلاء، ألا يشبعون؟ إن البعض يلهث وراء الترشح، وهو يعلم أن جيرانه، بل وحتى بعض أفراد عائلته، لم يصوّتوا لصالحه في العهدات السابقة التي ما كان ''ليستفيد'' منها لولا التزوير. لقد آن الأوان لتنسحب هذه الوجوه، وتترك المجال للطاقات الكفأة، وهي دون شك متوفرة في كل الأحزاب وفي صفوف مختلف فئات المجتمع، وقادرة على إحداث النقلة التي ينتظرها المواطن. والأكيد أن العناصر المخلصة في صفوف الأحزاب وفي مختلف مؤسسات الدولة، تدرك جيدا أهمية هذا الظرف الذي يمكن أن يشكل منعرجا حاسما في توجه البلاد نحو الديمقراطية ودولة القانون، وبالتالي تتحمّل المسؤولية كاملة، إذا أساءت الاختيار وراهنت على وجوه لا مصداقية لها، لأن ذلك لن يتسبب في العزوف فحسب، بل سيرهن مستقبل البلاد وقد يعرضها للخطر. [email protected]