في فترة ماضية من الزمن، كانت الأحياء والشوارع، في معظم البلاد العربية، تخضع لحراسة ليلية، من قبل شرطي تعيّنه الحكومة، فيسهر على مصالح الناس وأمنهم ويحمي أموالهم وحياتهم. أحد هؤلاء الحراس اشتهر بسلبيته وحياديته، فكان يغلق باب الكشك الخشبي على نفسه، متدثرا ببطانية عسكرية ثقيلة في ليالي الشتاء الباردة، ويغط في نوم عميق، غير آبه بمصير الحي وساكنيه. وعندما كان أهل الحي يسألونه عن تصرفه هذا، كان يطمئنهم بأن الدنيا في أمان، حتى ذاع صيت هذا الحارس السلبي بين لصوص المدينة، فوجدوا في ذاك الحي ضالتهم، فاستباحوه نهبا وسلبا. وفي أحد الأيام استفاق أهل الحي على جلبة أحدثها لص جاء ليسرق أهل الحي، فطاردوه بما تيسر لهم من أدوات للاحتجاج، وهم يتنادون: ''حرامي.. حرامي''. في هذه الأثناء، كان حارس الحي يغط في سبات عميق، فاستفاق وأطل برهة من كوة الكشك الخشبي ليهدئ من روع الناس ويطالبهم بعدم التهور، لكن الناس ما لبثوا أن احتشدوا أكثر أمام مقر الحارس، وارتفع هتاف الجمهور يطالبونه بالتدخل والإمساك باللص، فما كان من هذا الحارس إلا أن أجابهم من تحت اللحاف: ''سأعمل إصلاحات كفيلة بالقضاء على كل اللصوص والفاسدين''.. ثم عاد وغط في سبات عميق. كانت هذه آخر جملة يقولها الحارس، قبل أن يقتلع الناس كشكه الخشبي ليتدفأوا على أخشابه في ليالي شتائهم الباردة. [email protected]