إنّ الله جعل للصّيام شهرًا كاملا، وجعله عبادة للمجتمع بأسره، ليكون الإصلاح الشامل، في الأبدان وفي الأنفس.. وليس ببعيد ولا بعزيز على الله أن يكتب لنا النّصر السّاحق على العدو، إذا ما صلحت نفوسنا وتطهّرت من النقائص والأحقاد، وكنّا متحابين كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضًا. فالله لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم... وما قلّد رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، أصحابه زمام قيادة العالم إلاّ أنّهم كانوا أمّة شورى وحقوق وحرية، فلا ينحني صلب إلاّ للحق جلّ علاه. وكلّ النّاس سيّد في نفسه. والجدير بالوراثة الأمّة الّتي تغالي في عقيدتها ورهبتها من الله وتوكّلها على الله والحبّ لله، والّتي تقدّم للإنسانية حرية بعد عبودية ونورًا بعد ظلام وهداية بعد ضلال، وإنّما ترث الأرض الأمّة المثقفة المعززة بالقرآن، والّتي تحوّل أسرار القرآن إلى نظريات تطبّقها في جميع مجالات الحياة. قال تعالى: {وَعَد الله الّذين آمنوا منكم وعمِلوا الصّالحات ليستخلفنّهُم في الأرض كما استخلف الّذين مِن قبلهم وليمكنّن لهم دينهم الّذي ارتضى لهم وليبدلنّهم من بعد خوفهم أمْنًا يَعبُدونَني لا يُشركون بي شيئًا ومَن كفر بعد ذلك فأولئك هُم الفاسقون} النور .55 فهؤلاء هُم الصّائمون حقًا والمُصلّون حقًا، لأنّ ظاهرهم مع المخلوق وباطنهم مع الحقّ سبحانه. فليفرح الصّائمون وهذه فرصتهم، ولنفرح معهم ولنتشبّه بهم، وليت عامنا كلّه رمضان. ففي الحديث النّبويّ الشّريف الّذي أخرجه البخاري عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أنّ رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، قال: ''فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقُل إنّي صائم إنّي صائم، والّذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصّائم أطيب عند الله من ريح المسك. للصّائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربّه فرح بصومه''.