المحدث الفقيه الشاعر الرحالة بكر بن حماد التيهرتي، كان من أوائل من نقلوا الكثير من أقوال وأخبار أعلام السنة الشريفة من المشرق إلى المغرب العربي، فهو بالتالي يعتبر أقدم عالم جزائري في علم الحديث الشريف رواية ودراية. ولد سنة 200 ه بمدينة تيهرت (عاصمة الدولة الرستمية) في بيت شرف وعلم، وكان والده شديد الحرص على توجيهه الوجهة الصّالحة الصّحيحة على هدي أهل السنّة والجماعة في بيئة يغلب عليها مذهب الخوارج، إذ كان يحفّظه القرآن الكريم، ويستصحبه إلى دور العلم ومجالس القضاء ودروس الفقهاء وسماع الحديث الشّريف، كما اهتم بإرساله إلى أعلام العربية والأدب فأخذ العربية والنّحو والبيان والعروض. وحين بلغ سن السابعة عشرة من عمره، غادر تيهرت لطلب العلم وملاقاة الشيوخ، فالتحق بالقيروان سنة 217 ه، فأخذ بها عن علمائها كالإمام سحنون صاحب ''المُدَونة''، ثمَّ انتقل إلى مصر التي لم يطل مقامه بها، ثمّ إلى بغداد سنة 218 أو 219 ه، كما انتقل وجاب معظم المدن والحواضر العلمية كالكوفة والبصرة وغيرهما، ولقي علماء الحديث الشّريف فسمع منهم، وتزوّد بعلوم الدين واللغة والأدب، على يد الأئمة الأعلام. بعد هذه الرحلة العلمية، عاد بكر بن حماد إلى المغرب العربي ليستقر في أوّل أمره بمدينة القيروان التي كانت تحت حكم الأغالبة، فاشتغل بالتّدريس في مسجدها الجامع وقصده طلاب العلم ومحبو الحديث الشّريف للسماع منه، ثمّ تركها هاربًا مع ابنه أبوبكر إلى بلاده تيهرت، بعد أن كثرت ضدّه الوشايات إلى الأمير إبراهيم بن أحمد الأغلبي بأنّه يذكره في مجالسه ويصفه بالظالم والفاسق، وفي الطريق تعرّض لهما اللّصوص، فهاجموهما وتغلّبوا عليهما، فأصيب الشيخ بجراحات بليغة وقُتِلَ ابنه أمام عينيه في منظر مفجع العام 295 ه، وسلبوا كل ما وجدوه من مال ومتاع، وقد تركت هذه الحادثة أثرًا بالغًا في نفسه، وظلّ على هذه المعاناة حتّى توفاه أجله سنة 296 ه.