أفرح توفيق مخلوفي بفوزه الساحق في نهائي سباق ال1500 متر بالمعدن النفيس كل الجزائريين، وأنساهم في سهرة أولمبية ستظل محفورة لوقت طويل في ذاكرة السواد الأعظم منهم عذاب الانقطاعات الكهربائية التي نغّصت يومياتهم الرمضانية، واضطرت الكثيرين منهم إلى احتلال الشوارع والاحتجاج بالتخريب والحرق بعد أن أفقدتهم الحرارة الشديدة أعصابهم، وجنّن الظلام عقولهم، ولكن الأهم من هذا كله، هو أن ابن سوق أهراس انتقم للجزائريين وأعاد الاعتبار لمفدي زكريا الذي ظل طيفه يحوم في أرجاء الملعب اللندني وابتسامة عريضة على مُحياه رغم أنف صحيفة التلغراف البريطانية، التي اضطرت وغيرها عن مضض إلى الاستماع للنشيد الوطني الجزائري الذي وصفته قبل أيام بالعدائي ضد فرنسا، وصنفته أحد أسوأ عشرة أناشيد وطنية من أصل 205 نشيد تم عرضها خلال حفل افتتاح الألعاب الأولمبية بالعاصمة البريطانية. لقد رد مخلوفي بطريقته على الصحف البريطانية وفي مقدمتها التلغراف، ونجح في أن يُجبر من أوغلوا ما في صدورهم من غلّ، وتطاولوا بالمجان على أحد رموز وطن وتاريخ نضال شعب رفض البقاء تحت نبر الإستعمار- أجبرهم - على أن يُصفقوا طويلا على الراية الجزائرية وهي ترفرف عالية في عقر دارهم، تُرافقها كلمات يا فرنسا قد مضى وقت العتاب.. وطويناه مثلما يُطوى الكتاب، التي كتبها المرحوم مفدي زكريا بمداد من دم، داخل سجن بربروس ذات يوم من سنة 56، وهو تحت وطأة جلاديه داخل الزنزانة رقم 69، يومين فقط بعد أن طلب منه عبّان رمضان إعداد نشيد وطني يعبر عن الثورة الجزائرية ويكون عنوانا لتضحيات شعب ثار فحياة أو ممات، وعقد العزم من أجل أن تحيا الجزائر. إن مخلوفي الذي كان مغمورا قبل أيام، حفظ ماء وجه الرياضة الجزائرية وأعادها من بعيد لتعتلي ريادة الدول العربية قاطبة، ونجح لوحده وهو أعزل السلاح، لا يملك إلا ساقيه النحيلتين، في رد الصاع صاعين في وجه من سوّلت لهم أنفسهم خدش رمزية وقدسية نشيد وطن ضحّى شعبه بمليون ونصف مليون شهيد، لا لشيء إلا لأنه يكفر بالقيود، وينبذ التسلط، ويعشق الحرية والاستقلال، كما لقن التلغراف وغيرها درسا عنوانه حُرمة الجزائر خط أحمر، ومن يقترب منها بسوء يأتيه الرد ولو بعد حين. فألف شكر يا مخلوفي لقد بيّضت وجوهنا أمام العالم.