قالت مصادر متطابقة إن وزارة المالية أخطرت مسؤولي القطاعات الوزارية بإرسال حاجيات مصالحها في إطار التوظيف، مركزة بذلك على قطاعات التربية والصحة والتعليم العالي والبحث العلمي، بنسبة عالية جدا، بينما لم تحز مصالح القطاعات المتبقية إلا على نسب ضئيلة جدا. خلافا لمواسم الدخول الاجتماعي السابقة، قررت الحكومة، في إطار تدابير تقشفية، إخطار مسؤولي القطاعات الوزارية بإرسال حاجياتهم من الموظفين الجدد. لكنها أفردت للقطاعات الثلاثة المذكورة حصة الأسد، وبلغ سقف التوظيف فيها نحو 90 بالمائة، وتوزعت الحصص المتبقية على القطاعات الأخرى. وقالت ذات المصادر إن وزارة المالية نفذت تعليمة سابقة بعثت بها إلى ولاة الجمهورية، مطلع جويلية الفارط، تخطرهم فيها بحصر الحكومة المشاريع القابلة للتمويل في التربية والصحة والتعليم العالي والبحث العلمي، من أجل التخفيف من حجم الإنفاق العمومي على خزينة الدولة، بسبب تذبذب أسعار النفط. ولم يقتصر تنفيذ التعليمة على المشاريع، ولكن تجاوزت ذلك إلى مناصب العمل، حيث طلبت مصالح الوزير كريم جودي من مسؤولي القطاعات الوزارية، بمديرياتها التنفيذية عبر الولايات، والولاة، إرسال حاجياتها من الموظفين في الإدارات العمومية، لكنها أفردت لقطاع التربية والصحة والتعليم العالي حصة الأسد. وقالت ذات المصادر إن المديريات التنفيذية المحتاجة لموظفين جدد، لم تنل إلا ''موظفا إلى موظفين'' كأقصى ما يمكن، بينما حازت القطاعات الثلاثة على أعداد معتبرة جدا من الموظفين، وإن كان عاديا بالنسبة لقطاع التربية تدعيم حجرات الدراسة بالمئات من الأساتذة، لكنه وخلافا للأعوام السابقة ''تجلى فرق شاسع بين أعداد الموظفين الذين يقتحمون سلك الوظيف العمومي، وبين العام الداخل .''2013 لكن الملاحظ أن مخطط الحكومة، الذي عرضه الوزير الأول، عبد المالك سلال، بدا حاملا لتناقض واضح، فبينما يتحدث عن ''العمل على التخفيف من حدة البطالة''، تعمل الحكومة ذاتها على تنفيذ تعليمة الوزير كريم جودي، التي تعني إلغاء الآلاف من طلبات التوظيف التي أودعها خريجو الجامعات لدى المديريات التنفيذية عبر الولايات، وينتظرون إجراء مسابقات للحصول على مناصب شغل؟ ولوحظ التناقض بين ما صرح به الوزير الأول سلال، عند عرض مضمون مخطط حكومته، الذي شدد على ''القضاء على البطالة''، وبين فحوى مشروع قانون المالية الذي خفض الإنفاق في مجال ''المنشأت القاعدية الاقتصادية والإدارية''، من حوالي 995 مليار دينار بعنوان السنة الجارية (2012) إلى حوالي 400 مليار دينار في ,2013 مع العلم أن مجال التوظيف يدخل ضمن هذا الحيز من ميزانية الدولة. ويحيل خفض حجم الإنفاق العمومي، الذي لم يستثن مجال التوظيف، إلى ما يفهم منه، كذلك، أن الحكومة تسعى لتوجيه التوظيف إلى القطاع الاقتصادي، بل إن سعيا كهذا سبق وأن عبر عنه وزير العمل والضمان الاجتماعي، الطيب لوح، عندما أطلق صيغة ''التشغيل المدعم'' المبني على الأبعاد الثلاثة للمستويات التعليمية، غير أن العاملين على تطبيق هذه الصيغة في الميدان يعترفون ب''حيل'' أرباب عمل خواص، يوظفون حملة الشهادات الجامعية، باعتبار أن الرواتب التي يتقاضونها، تقع على كاهل الدولة لمدة ثلاث سنوات، لكن ما يجرى حاليا يفيد بأن هؤلاء (الاقتصاديون الخواص) اهتدوا إلى حيلة بموجبها يوقفون عقود عمل موظفيهم وعمالهم بمجرد انتهاء المدة، تفاديا لضخ الرواتب من ''جيوبهم''، ويفتحون التوظيف من جديد لفائدة خريجي جامعات جدد ليستفيدوا، مجددا، من رواتب الدولة لسنوات أخرى. ما يعني أن مصالح الوزير الطيب لوح ''لم تفعل شيئا''، مادامت لم تُتبع إجراءها بتدابير تفرض على الخواص عدم إنهاء عقود عمل المعنيين إلا بعد سنوات عديدة.