ماذا فعل الرئيس الشاذلي بن جديد ليحبه الجزائريون؟ هل هو وهج منصب أم هي طيبة الرجل وتسامحه أم إخلاصه؟ جاء المرحوم الشاذلي إلى الحكم بعد حضور قوي وغياب أليم للرئيس الراحل هواري بومدين، وغادر المرحوم الشاذلي الحكم في أعقاب هزة اجتماعية وسياسية عميقة، أراد الكثيرون إلصاقها به. اليوم، يغادر المرحوم الشاذلي بن جديد الحياة وليس الحكم، فهل عرفنا قدر الرجل، وأكرمناه؟ لقد أخرج المرحوم من السجون الأحياء والأموات، ألم يكن الشاذلي هو من أفرج عن جثماني الشهيدين العقيدين عميروش وسي الحواس؟ ألم يكن الشاذلي هو من أفرج عن فرقاء السياسة في الجزائر، الأحياء منهم والأموات اليوم، بشيوعييهم وإسلامييهم.. بل هو من أفرج أيضا عن الرئيس المحبوس بن بلة. المرحوم الشاذلي كان له الفضل في إقرار دستور الديمقراطية عام 1989، ولكن البعض أول ما بدأ في تطبيق هذه الديمقراطية، بدأ بإطلاق نكت سمجة عنه وعن عائلته، ولم يتركوه في حاله حتى وهو رئيس. الشاذلي هو أيضا من بنى ''مقام الشهيد''، وكان له شرف تدشينه، وإن كان هناك شخص يستحق الآن حمل اسم هذا المعلم التاريخي والرمزي في الجزائر، إنما هو الشاذلي بن جديد. كان لدى الشاذلي انفتاح على ما يجري خارج الجزائر، ولهذا بنى لها مقام الشهيد، حتى يكون رمزا لها. واليوم لا يكاد أحد يذكر الجزائر في الداخل أو الخارج إلا ويجول في خاطره منظر ''مقام الشهيد'' منتصبا أمامه. وإذا كان السؤال عما إذا كان الشاذلي بن جديد يستحق إطلاق اسمه على مقام الشهيد، أمرا يجيب عنه المسؤولون، فإن تكريمنا للرجل - نحن الجزائريين - يكون بأن نتعلم منه فكرة قبول الآخر والتعايش رغم الاختلاف. وقليلون فقط يعرفون أن الشاذلي في آخر أيام حكمه، كان مقتنعا بضرورة الانتقال إلى نظام حكم برلماني ووضع حد لحكم الجزائريين بمنطق الشرعية الثورية. وقد تحدث في لقاء ''الطارف'' الشهير صيف 2008، عن هذه القناعة: ''كنت مقتنعا بأن النظام الذي كنت أسيّره لمدة 12 سنة قد انتهت صلاحيته، ولابد من تسليم المشعل''.. فقامت الدنيا ولم تقعد، وسكت الشاذلي مرة أخرى.. بقي هناك أمل أن تحكي لنا مذكراته ما سكت عنه، فنفهم ماذا جرى؟ [email protected]