التأدّب الواجب في بيته الحرام لمَن قصد إليه متجرّدًا حتّى من مخيط الثياب ثمّ يدعوهم بعد ذلك إلى التزوّد في رحلة الحجّ.. زاد الجسد والروح. فقد ورد أنّ جماعة من أهل اليمن كانوا يخرجون من ديارهم للحجّ ليس معهم زاد. يقولون نحجّ بيت الله ولا يطعمنا. وهذا القول، فوق مخالفته لطبيعة الإسلام السّمحة التي تأمُر باتخاذ العدة الواقعية في الوقت الذي يتوجّه القلب إلى الله ويعتمد عليه كلّ الاعتماد. يحمل كذلك رائحة عدم التحرّج في جانب الحديث عن الله ورائحة الامتنان على الله بأنّهم يحجّون بيته فعليه أن يطعمهم!! ومن ثمّ جاء التوجيه إلى الزّاد بنوعيه، مع الإيحاء بالتّقوى في تعبير عام دائم الإيحاء: ''وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى''. ثمّ يمضي السياق القرآني بعد هذه الآية الكريمة في بيان أحكام الحجّ وشعائره، فيُبيِّن حكم مزاولة التجارة أو العمل بأجر بالنسبة للحاج، وحكم الإفاضة ومكانها وما يجب من الذِّكْر والاستغفار بعدها. قال تعالى: {ليس عليكم جُنَاحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربّكم فإذا أفضْتُم من عرفات فاذْكُروا الله عند المشعر الحرام، واذكُرُوه كما هدَاكُم وإن كُنتُم مِن قَبْلِه لمِنَ الضَّالين، ثُمّ أفِيضُوا من حيثُ أفاض النّاس واستغفروا الله إنّ اللهَ غفورٌ رحيمٌ} البقرة: .198 قال الإمام البخاري، رحمه الله، بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ''كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقًا في الجاهلية. فتأثموا أن يتجروا في الموسم فنزلت {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربّكم} في مواسم الحجّ.وروى الإمام أبو داود، رحمه الله، بإسناده من طريق آخر إلى ابن عباس أيضًا قال: كانوا يتّقون البيوع والتجارة في الموسم والحجّ، يقولون: أيّام ذِكرٍ، فأنزلَ الله تعالى: {ليس عليكُم جُنَاحٌ أن تبتغوا فضْلاً من ربِّكم}.