نعم، الأنترنت، والفايسبوك على الخصوص، أحدثت ثورة في حرية التعبير وعولمت نظرية السماءات والآفاق المعرفية المفتوحة.. وكانت استفادة شعوب الدول الغربية من هذه التقنية المعرفية الهائلة لا تتصوّر، حيث حرّرت كل الطاقات لدى الشعوب، والشباب على الخصوص. وعندنا في العالم العربي كانت الاستفادة مهمة أيضا.. لكن كانت، أيضا، جالبة لأمراض لم تكن موجودة قبل وجود هذه التقنية المعرفية على نطاق واسع مثل ما هي الآن. نظرة بسيطة على محتويات الفايسبوك ونوادي التواصل الاجتماعي والثقافي يصاب فيها المرء بالذهول، فقد طوّرت هذه المواقع حرية التعبير بشكل مذهل، ولكن طوّرت، أيضا، مستويات مذهلة من ''الجبن'' وقلة الشجاعة في نسبة ما يُقال ويُكتب لأصحابه.. وتطوّرت نظريات حرية التعبير المبنية على نسبة ما يُقال لمجهولين.. وبأسماء مستعارة. وهو أمر يتجاوز فكرة ''الجبن'' وعدم المسؤولية عما يُقال ويُكتب إلى ضرب مصداقية ما يُكتب ويُقال في العمق. نعم، توجد في نوادي الغرب الفايسبوكية حكاية الاختفاء وراء أسماء مستعارة وممارسة حرية التعبير بالتخفّي، لكن نسبة ذلك إلى المجموع العام محدودة، إذا ما قورنت بما هو في العالم العربي الذي أصبح فيه التعبير على الفايسبوك بالأسماء المستعارة ظاهرة تكاد تكون غالبة. في الستينيات والسبعينيات، مثلا، كان محرّرو صفحات بريد القراء في الصحف لا يتصوّرون أن هناك من يكتب للصحيفة رسالة قارئ غير صحيحة، لأن المستوى الأخلاقي للمجتمع كان عاليا جدا.. لكن في الثمانينيات بدأت الأمراض الأخلاقية تضرب المجتمع، فأصبح القراء يكتبون رسائل إلى الصحف بأسماء غيرهم، ويخلقون، بذلك، مشاكل للناس وللصحيفة، وهو ما جعل الصحف تشترط، فيما بعد، نشر رسائل القراء إذا كانت الرسالة ممهورة بصورة لبطاقة التعريف مصادق عليها، لأن الممارسات اللاأخلاقية للجبناء أفسدت العملية. نفس الظاهرة الآن في النقاشات التي تجري على المواقع.. فأغلبها بأسماء مستعارة، وهذا ما يقلّل من مصداقية ما يُقال إلى حدّ كبير، وفي نفس الوقت تسمح هذه الممارسات بنمو الجبن في صفوف المتواصلين، لذلك نقرأ العديد من الأفكار الشجاعة، لكنها بأسماء ''جبناء''، ويكون من نتائج هذا الجبن أن هذه الأفكار الشجاعة لا تفعل فعلتها في الحياة العامة. ماذا لو تخلى الشباب الجزائري، مثلا، عن فكرة التواصل بالأسماء المستعارة، وحوّل هذا الكمّ الهائل من الأفكار التي تجتاح الأنترنت إلى تواصل بالأسماء الحقيقية، وتخلّى عن الجبن كقيمة ثقافية إعلامية ذميمة؟ نحن نطالب بأخلقة الحياة العامة، فلماذا لا نبدأ بأخلقة الحياة التواصلية عبر الأنترنت؟ ونحاصر الجبن والجبناء في هذا المجال؟