أقول لبعض القراء.. نعم أنا جبان وذهبت إلى تونس كي لا أكتب وأنا في حالة هيجان لما رأيت من مهازل شعبية ورسمية في زيارة هولاند للجزائر.. وقد تمنيت الموت على أن أرى ما رأيت.! رئيس جمهورية الجزائر المستقلة يقبّل يد رفيقة هولاند.! ومواطن (جزائري) يقبل يد هولاند التي امتدت إلى أموال الشعب الجزائري عبر جماعة علي بابا التي تحكم الجزائر باسم فرنسا.! عندما زار ساركوزي مصر الشقيقة في عهد مبارك وأخذ معه عشيقته كارلا بروني، ثارت ثائرة المصريين على مبارك ونظامه.. إذ كيف يقبل رئيس أكبر دولة عربية استقبال رئيس وعشيقته؟ رغم أن مبارك لم يقبّل يد كارلا يروني كما فعل ''جانتلمان'' الجزائر.! في الخميسنيات عندما زار ملك اليونان مصر أشار مدير تشريفات الملك اليوناني لمدير تشريفات الرئيس ناصر بأن تجلس زوجة الملك مع عبد الناصر وتجلس زوجة ناصر تحية مع الملك ونقل مدير تشريفات ناصر هذا الاقتراح إلى ناصر.. فقال له: لا، الذي يطبق هنا في مصر هي ترتيبات البروتوكولية الصعيدية وليس اليونانية.! فكل واحد يجلس مع زوجته.. وكان ذلك ما طبق بالفعل، حسب رواية محمد حسين هيكل.. وتدور الأيام ويشاهد المصريون جيهان السادات في واشنطن تقبّل وتراقص الرئيس كارتر ويتغزل بها مناحم بيغن.. باسم التحضر المصري الساداتي.! في بداية السبعينيات، طرحت مسألة تبادل الزيارات بين رؤساء الجزائروفرنسا، بومدين وجيسكار ديستان.. واقترح ديستان على بومدين أن يزور فرنسا هو الأول.. ولكن بومدين اشترط على جيسكار أن يدخل إلى جادة ''الشانزليزي'' من قوس النصر.. وأن يخصص له استقبال شعبي.. لكن جيسكار اعتذر لبومدين قائلا له: لا أستطيع أن أضمن أمنك في زيارة باستقبال شعبي، لأن الأقدام السود والحركى ماتزال صدورهم تغلي ضد استقلال الجزائر.! فأجابه بومدين: تعال أنت إذا للجزائر وسأستقبلك بالشعب.. وسأعطي عطلة لأسلاك الأمن.! وجاء جيسكار في زيارة للجزائر ومعه زوجته وليس عشيقته واستقبلتها رئيسة الاتحاد النسائي.. ولم تقبّل يدها.! وبعد مجيء بوتفليقة إلى الحكم في 9991 عينت فرنسا سفيرا جديدا لها بالجزائر.. وأبرق هذا السفير إلى الجزائر يخبرهم أنه قادم لاستلام منصبه في الجزائر على متن الخطوط الجوية الفرنسية وأعطى في البرقية الساعة واليوم.. وقال إنه سيكون مرفوقا بزوجته وكلبه.! واجتمعت خلية استقبال السفراء بوزارة الخارجية ودرست مسألة استقبال هذا السفير.. واختارت كيف تستقبل كلبه في الصالون الشرفي بالمطار.! هل ترسل إليه كلبا ديبلوماسيا لاستقباله؟! وقد كتبت عن الموضوع في حينه.. وبيّنت: كيف تحافظ فرنسا في تعاملها معنا على تقاليدها وثقافتها حتى فيما يتصل بالكلاب.. وكيف نفرط نحن في تقاليدنا وثقافتنا حتى فيما يتعلق بالبشر؟! والحمد لله أننا في ذلك الوقت لم نقبل يد كلب السفير أو ذيله؟! وعندما يقول هولاند لبرلمان الحفافات: تعالوا نبني معا البيت.! ويصفقن له بحرارة.. فذاك يعني أن فرنسا على حق عندما لا تعتذر عن الاستعمار لنا لأن الاستعمار لم ينقطع ومايزال متصلا.. ولا يمكن أن تعتذر فرنسا عن شيء مايزال يحظى بالتأييد والمساندة من المستعمر (بفتح الميم).. هل فهمتم الآن لماذا لم أستطع الكتابة عن زيارة هولاند للجزائر يوم أمس؟! ومع ذلك أنا اليوم جبان ولست تعبانا؟!