يعج التاريخ الإنساني بأسماء غيّرت مجراه، أو أحدثت قفزة عملاقة وطفرة نوعية في حياة شعوبها. غزى الإسكندر المقدوني العالم وسنّه لم يتجاوز 25 سنة، وقاد محمد الفاتح الشاب (تجاوز العشرين بقليل)، المسلمين لفتح القسطنطينية، وأدار سليمان القانوني الإمبراطورية العثمانية في أوج قوتها وهو شاب يافع (25 سنة أيضا) وعبد الرحمن الداخل أسس حضارة الأندلس شابا، والكثيرون من لا يسع هذا المقال لتعدادهم. أسماء كتبت تاريخ أوطانها وشعوبها بأحرف من ذهب، بينما كانت في ريعان الشباب. وحتى لا نذهب بعيدا نجد في التاريخ الجزائري القريب، الأمير عبد القادر، قاد القبائل لمقاومة الاحتلال الفرنسي، كما قادت فاطمة نسومر مقاومة منطقتها وهي شابة. نعم.. الشباب بعنفوانه واندفاعه وقوة تحمله، بجرأته وحتى تهوره، بصبره وسرعة تصرفه، قادر على القيادة والتغيير، والانتقال من حالة الرضوخ إلى حالة الثورة، ومن حالة الاستسلام إلى المقاومة ومن حالة الضعف والانحطاط كمجتمع ودولة، إلى حالة القوة والازدهار. وأفضل مثال نسوقه في هذا المقام، تلك المجموعة المباركة من الشباب، التي اجتمعت يوما، وقرّرت بكل طموح وأمل وإيمان بقضيتها، أن تستردّ حرية شعبها من استيطان دام 125 سنة.. وصف الكثيرون وقتها تلك الخطوة، بالمغامرة غير المحسوبة والمتهورة. فكيف لشباب أغلبيته لم تتجاوز العقد الثلاثين إلا بقليل، أن يقود ثورة ضد أعتى قوة استعمارية في العالم آنذاك؟ كيف لشباب يفتقد للخبرة والتجربة، سياسيا وعسكريا، أن يغيّر من واقع، أصبح قناعة مسلّما بها عند كثير من المستسلمين؟ لم يكن حينها ضروريا أن يتساءل هؤلاء الشباب كيف ستستمر الثورة أو بأي وسائل ستنتصر؟ كان المهم هو قرار إعلان الثورة في حد ذاته. المهم من يتحمل مسؤولية إعلان الثورة ضد فرنسا. قاد هذا القرار الذي اعتبره البعض تهورا وجنونا، الجزائر بعد سبع سنوات إلى الاستقلال. نعم.. الشباب بعنفوانه وإقدامه وشجاعته وجرأته في اتخاذ القرارات الحاسمة صنع الفارق، ألم يقل المثل الفرنسي ''الشجاعة تصنع الملوك والجرأة تصنع الأباطرة''. لكن للأسف.. يقف شبابنا اليوم، وبعد 50 سنة من الاستقلال، مقيّدا، ضائعا وعاجزا، تهدر طاقاته وقوته وشجاعته وقدراته وإبداعه، كما تهدر ثروات الجزائر كلها.. أليس الشباب ثروة تهدر على مقاعد جامعات لا تضمن أي مستقبل، أو على مقاعد المقاهي يستنزفون العمر، أو في طوابير انتظار العمل واستخراج الملفات، أو على قارعة الطرق يستندون الجدران التي ملت منهم وملوا منها، أو على قوارب الموت، أو في الهجرة مجبرين، حيث يخدمون مجتمعات أخرى أصبحت تفتخر بهم، للأسف، ثم تستقدمهم الجزائر بالعملة الصعبة لخدمة بلدهم .. لا أتمنى ونحن نحتفل بالذكرى الخمسين للاستقلال وعلى أبواب 2013، إلا أن أرى الجزائر يقودها الشباب.. شباب يقود أحزابا سياسية، تتنافس فيها أفكارهم وبرامجهم بكل ديمقراطية، من أجل خدمة الشعب ومستقبل الوطن، بدل أحزاب سئمنا وجوهها وأصابتنا التخمة من خطاباتها، أحزاب تطالب بالديمقراطية ورؤساءها أصابهم الزهايمر السياسي ولم يغادروها. وزراء شباب يقودون حكومة، تفهم مقتضيات المرحلة، ومتطلبات مجتمع شاب، يحملون الأمل والتحدي ورغبة في التغيير الحقيقي. أتمنى أن أرى على رأس المجالس الشعبية البلدية، شبابا متخرجا من المعاهد والجامعات، وكذلك على رأس الدوائر والولايات، وعلى رأس المجالس العلمية والجامعات والمديريات والشركات الكبرى والبنوك والأمن والجمارك والجيش.. شباب.. وأتمنى في الأخير أن أرى الشعب الجزائري يتوجّه يوما لانتخاب رئيس جمهورية شاب، بطريقة ديمقراطية. أتمنى أن يقودنا شباب مهما أخطأوا سنغفر لهم ومهما تجرأوا سيتحمّلون مصائرهم، نريد شبابا يقود ثورة تغيير في هذا الوطن، من أجل استقلال حقيقي .. [email protected]