النشر المشترك سمح بالتعريف بالمبدع الجزائري في المشرق الربيع العربي سيف ذو حدين على حركة النشر أثنى الناشر اللبناني ومدير الدار العربية للعلوم، بشار شبارو، على مبادرة النشر المشترك مع الدور الجزائرية، التي عرّفت بالكاتب الجزائري في المشرق العربي. كما انتقد وضعية النشر في الوطن العربي، وقال في حوار مع ''الخبر'' على هامش ندوة بالمعهد الفرنسي، أنها في تراجع مستمر بسبب الأوضاع التي يعرفها الوطن العربي، بالإضافة إلى عدم وجود ميكانيزمات لتشجيع النشر، منها وكلاء الكتاب وشركات التوزيع وقوانين تسهل الشحن. انتقدتم مؤخرا النشر في الوطن العربي ما هي النقاط السوداء فيه؟ لاحظنا في الفترة الأخيرة، تراجعا كبيرا لحركة النشر في الوطن العربي، بسبب الأحداث التي عرفتها وتعرفها بعض الدول العربية، خاصة تلك التي تستهلك الكتاب أو تقوم بنشره وبعملية التوزيع، من سوريا إلى لبنان ومصر وتونس والعراق، إذ تواجه حركة التوزيع صعوبات كبيرة، كما أن الأوضاع الاقتصادية تتراجع، مما أثّر على تجارة الكتاب بكل حلقاتها على العموم. ضف إلى ذلك عدم الاستقرار في هذه الدول، الذي مس خصوصا عملية التوزيع، ما يعيق عملية انتقال الكتاب ومرونة وصوله للقارئ. الربيع العربي ذو وجهين بالنسبة لنشر الكتاب، فمن جهة أعطى دفعا قويا للحركة الفكرية، وفتح النقاش في الوطن العربي على مواضيع مختلفة وأحيانا جديدة، وبالتالي نشّط حركة إنتاج الكتاب، لكن بالمقابل أحدث فوضى كبيرة في سوق الكتاب سواء في التوزيع أو النشر، فالثورة أنتجت فوضى في المناطق التجارية، وفوضى في الإنتاج أيضا، لأن أولويات القارئ العربي اختلفت وكان علينا أن نواكب هذا التغير. هل تعتقد أن الوضع الأمني هو الوحيد الذي يؤثر في عملية النشر ألا ترون أن الرقابة جزء من هذا أيضا؟ أكيد أن للرقابة جزء كبير في عدم وصول الكتاب إلى عدد كبير من الدول العربية، وما يزعج أكثر هو عدم الاتفاق على معايير منع مشتركة (إن صح التعبير) بين هذه الدول. يجد الناشر نفسه أمام خيارات غريبة، فهناك نمط من الكتب تتناسب مع بلد ما وتمنع في بلدان أخرى. فلكل كتاب وضعه الخاص، وعلى الناشر أن يتكيف معها، فما تسمح به السعودية، تمنعه لبنان والعكس، وما يُقبل في مصر ترفضه سوريا. فمثلا بالنسبة للمغرب والجزائر، أصدرت الدار العربية كتاب ''الأطلس''، فعندما نضع خريطة وندمج الصحراء الغربية مع المغرب فالكتاب لن يدخل الجزائر، ولو فصلنا الصحراء الغربية عن المغرب، فالمغرب ترفضه، والأمثلة كثيرة، حتى كتب الربيع العربي التي أنتجنا منها 17 عنوانا، تجد صعوبة في توزيعها في الدول العربية. ونفس الوضع في لبنان الذي يعتبر بلد الحريات هناك رقابة، فنحن مجتمع طائفي ولدينا مركز الكتاب الذي يراقب ليست الدولة أو وزارة الثقافة، وفيه ممثلين عن الكنيسة والمشايخ السنيّين والشيعة، فمثلا كتاب ''شفرة ديفنشي'' الشهير منعت الكنيسة دخوله لبنان، ونفس الشيء بالنسبة لهيئات الدين الإسلامي والشيعة، بينما الدولة بكل هيئاتها لا تتدخل أبدا ولا تفرض أي رقابة على الكتاب. ما هي أهم معوقات تطوير عملية النشر المشترك في الوطن العربي؟ أرى أن هناك ثلاث مجالات رئيسية علينا تطويرها، للنهوض بحركة النشر المشترك في الوطن العربي. أولها وهذا معمول به في الدول المتقدمة، هو خلق ثقافة وكلاء الكُتَّاب ''مناجير''. ينحصر عمل الكاتب في الدول الغربية على الكتابة والإبداع فقط، بينما يقوم ما يسمى بالوكلاء، بالبحث له عن ناشر جيد والتفاوض معه وحفظ حقوق الكاتب، ثم الترويج للكتاب وحتى الاتصال بوكالات الترجمة وتقديمه للجمهور وإيصاله لكل بقاع العالم. أما في الوطن العربي فالكاتب يقوم بكل شيء، يكتب ويروّج ويعقد الصفقة والندوات، وينظم حتى جلسات البيع بالتوقيع، وهذا يرهق الكاتب ويشغله. فوكلاء الكتاب دليل على تطور النشر في أي بلد. والنقطة الثانية هي التوزيع، فلا توجد للأسف في الوطن العربي شركات توزيع سواء وطنية أو مزدوجة أو حتى متعددة الأقطار، بسبب عدم وجود اتفاقيات شراكة في هذا المجال، فأغلب شركات التوزيع على مستوى القطر الواحد والإشكال الكبير أنها غالبا ما توزع المجلات والجرائد وليس الكتب. وأعتقد أن الناشرين الجزائريين يعانون من هذا الإشكال كثيرا مثل كل الناشرين في الوطن العربي. وعلى الدول العربية أن تطور التوزيع في الداخل، ثم تتوجه إلى عقد اتفاقيات ثنائية لتطوير التوزيع المشترك. أخيرا قضية الشحن، ففي الجزائر مثلا هناك القرار الأخير للاستيراد، الذي يفرض فتح حساب، أي إيجاد اعتماد مصرف وأخذ الموافقة وبعدها يقدم طلبا للكتاب وهذا يعطل العمل، كما أنه في سوريا لا يوجد مجال للشحن البري وبقي الشحن الجوي وهو مكلف جدا. وما عدا هذه النقاط التي تتطلب قرارات سياسية عربية وأيضا قطرية هل هناك من معوقات؟ أكيد أن هناك عددا آخر من معوقات النشر في الوطن العربي، فما عدا الجزائر التي خصصت في السنوات الأخيرة أغلفة مالية ضخمة لتشجيع نشر الكتاب وبعض الدول الخليجية كالإمارات العربية المتحدة، التي تشجع النشر والترجمة، لا تقدم باقي الدول أي دعم لنشر الكتاب، ووزراء الثقافة لا يولون أي أهمية لذلك، ضف إلى ذلك وهي قضية مأساوية في الوطن العربي مشكل القرصنة التي سببت خسائر كبيرة للناشرين وبالتالي أضرّت بحقوق الناشرين والكتّاب والمترجمين أيضا. ما الذي استفدتم به من تجربة الشراكة مع دور نشر جزائرية ؟ أرى أنها تجربة ناجحة دعمت المؤسستين بأسماء ومواضيع جديدة لم تتطرق لها من قبل. وهناك نماذج عديدة للنشر المشترك الجيدة، فمثلا مع الفارابي ترجمة كتب محمد ديب وأيضا ياسمينة خضرة وكذلك إصدار كتب علي حرب. أهم ما يميز تعاملنا مع هذه الدارالجزائرية، أولا اكتشاف الكاتب الجزائري وتقديمه للمشرق العربي مثلا ''سمير قسيمي'' الذي دخل القائمة القصيرة للبوكر وأصبح معروفا. كما استطعنا عن طريق الجزائر أن نترجم عددا كبيرا من الكتاب المغاربة من الفرنسية إلى العربية مثل ياسمينة خضرة وفضيلة الفاروق، وما ساعدنا أن هناك عددا كبيرا من المثقفين الجزائريين يتقنون اللّغتين بنفس الجودة، مما سمح بتقديم ترجمات بنوعية ممتازة. كما أن أغلب الترجمات التي تتم في لبنان من الانجليزية إلى العربية، لكن بفضل الشراكة مع دار جزائرية، استطاع القارئ في المشرق أن يكتشف الكتاب الفرنسي، خاصة في مجالات يتفوقون فيها مثل الأدب والفنون والنقد بكل أنواعه وعلم الاجتماع والفلسفة .. هذا لا يمنع من وجود صعوبات أيضا في هذا المجال، أهمها أن هناك عدد كبير من الكتاب الجزائريين لم يتم التعريف بهم حتى في الجزائر ويصعب تقديمهم إلى المشرق، كما تطرح قضية المصطلحات، فهناك فرق بين المصطلح الأنجلوساكسوني والفرانكوفوني، حتى في قضية المعاجم فلا يوجد توحيد مصطلحات في الوطن العربي بين مشرقه ومغربه. شاركتم وككل مرة في معرض الكتاب بالجزائر ما هي الملاحظات التي خرجتم بها من آخر مشاركة؟ عبّر أغلب الناشرين اللبنانيين الذين حضروا، عن ارتياحهم ونجاح الطبعة السابقة وتميزها، فقد حققنا مبيعات مهمة وكانت الطبعة مميزة جدا، خاصة أن تغيير المكان لعب دورا كبيرا في ذلك، فالعودة إلى ''سافاكس'' أراحت الناشرين، فكانت حركة البيع أفضل بكثير منذ 8 سنوات، قدمنا 400 عنوان وحققنا أرباحا بين 5 إلى 8 من الإنتاج العام للدار.