أصبح عاديا أن يرتبط اسم ولاية تلمسان اليوم بأكبر المزارع المنتجة للمخدرات في المغرب، وليست عادية لأنها - رغم انفها- تتعامل مع ''الجزيرة''.. وهي ولاية فريدة في مواجهة رعب اسمه مخدرات لا يتعب ناقلوها، مهما حُجزت وحُرقت، في معاودة الكرّة من جديد. في تلمسان الولاية الحدودية تأكدت ''الخبر'' من ملاحظة تقول إن إتلاف المخدرات المحجوزة يستهلك 15 ساعة، وهي مدة قد يستفيد منها المهربون في تمرير كميات أكبر من المحجوز والمتلف، وبين الصورتان لعب على الوقت قد لا يكون في صالح الساهرين على أمن الحدود، وقد يحفز حب التحدي لدى المهربين من جديد، حتى وإن كانت الضربات التي يتلقونها قاسية إذا ما صادفت حجز كميات كبيرة من المخدرات المنتجة في بلاد ''المخزن''. ''الخبر'' هي أول صحيفة تتابع عن كثب حرق أطنان من السموم تحت أنظار وكيل الجمهورية ولم تغادر الموقع حتى تحولت المخدرات إلى رماد. حريق.. في 15 ساعة منذ بداية الحرب في مالي وتدهور الوضع الأمني في بلدان الساحل تحولت، ولاية تلمسان إلى ممر مفضّل لتهريب قوافل مخدرات قادمة من المغرب عبر ممرات سرية تخترق جبال ووديان هذه الولاية، التي تقتسم مع المملكة المغربية الجزء الأكبر من الحدود. وأصبحت عملية إتلاف أطنان من السموم بمختلف أصنافها تزيد متاعب الجهات القضائية، بالنظر إلى الكميات الخيالية المحجوزة، حيث تتطلب العملية الواحدة أزيد من 15 ساعة للتخلص منها. على بعد كيلومترات من مقر مجلس قضاء تلمسان، رافقنا وكيل الجمهورية لدى محكمة ندرومة السيد شريف إبراهيم لمتابعة عملية إتلاف أزيد من 12 قنطارا من المخدرات حجزتها مصالح الأمن الأسبوع الماضي، ضمن كميات أخرى برمجت النيابة العامة لدى مجلس قضاء تلمسان لإتلافها في مواقع خاصة في الرمشي ومغنية، أي في ''أماكن سرية'' مختارة بعناية وبعيدا عن المحيط العمراني. وتحت حراسة أمنية مشددة تابعنا في أحد المحاجر الخاصة بصناعة الآجر بضواحي الرمشي شمالي ولاية تلمسان، عملية إتلاف 12 قنطارا من المخدرات. كانت الساعة تشير إلى الرابعة مساء عندما وقف وكيل الجمهورية لدى محكمة ندرومة، وسط أعضاء اللجنة المكلفة بإتلاف هذه السموم وهم ضابط من الشرطة القضائية وآخر عن مصالح دائرة الاستعلامات والأمن التابعين للناحية العسكرية الثانية ، وممثل عن الدرك الوطني والحماية المدنية وممثل عن مديرية البيئة، وتحت إشراف وكيل الجمهورية وبمساعدة كاتب الضبط، للتأكد من سلامة الإجراءات القانونية ومن الكمية المراد إتلافها. وبعد ضبط الإجراءات أعطى وكيل الجمهورية إذنا لأعوان الجمارك برص صفائح المخدرات وتقطيعها إربا لتمكين الأعوان من إتلافها في فرن بدرجة حرارة عالية جدا. في هذه الأثناء شرح لنا وكيل الجمهورية لدى محكمة ندرومة العملية التي حضرتها الصحافة لأول مرة، وفق ما ينص عليه المرسوم التنفيذي المؤرخ في 30 جويلية 2007، الذي يحدد كيفيات التصرف في النباتات والمواد المحجوزة أو المصادرة، في إطار الوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية وقمع الإستعمال والإتجار غير المشروعين بها. والبداية تكون -حسب المتحدث- بإعداد محضر جرد النباتات والمواد المحجوزة المصنّفة كمخدرات أو مؤثرات عقلية، يحدد فيه وزنها وطبيعتها ونوعيتها وأوصافها الطبية وكميتها التقديرية، مع توضيح تاريخ ومكان حجزها، وذكر التحاليل المنجزة عليها وعدد الأختام ونوعيتها وكل معلومة ضرورية.. وبعدها يتم إتلاف المخدرات من قبل لجنة يرأسها وكيل جمهورية يحرر محضرا يوقّعه جميع الحاضرين في عملية الإتلاف، ويبينّ بدقة نوعية المواد المتلفة وترفق به بطاقات الحجز، ولفت وكيل الجمهورية أنه طبقا للتعليمة الوزارية 09/97 يجب ''إتلاف المخدرات في اليوم الموالي الذي يصدر فيه الحكم على المتهمين لتفادي تكديسها''. قصة 900 درجة بعد تأمين محيط المحجرة من قبل مصالح الأمن، تبدأ عملية إتلاف المخدرات بوضع كميات منها داخل فرن درجة حرارته لا تقل عن 45 درجة حيث تنقل على متن عربات في شكل قطع. وقد سألنا مدير الأمن بهذه المحجرة، وهو من أشرف على أزيد من 30 عملية إتلاف للمخدرات داخل هذا الفرن، فقال إن تشغيل الفرن يكون في المرحلة الأولى بدرجة حرارة لا تقل على 45 درجة، لتصل في إحدى المراحل إلى 900 درجة، لضمان تحول أطنان المخدرات إلى رماد. ويضيف المتحدث، الذي رفض الكشف على اسمه لدواع أمنية، أن العملية تستغرق ساعات وقد تقل على 7 ساعات في حال ما إذا كانت الكمية أقل من قنطار واحد، أما في حالة إتلاف 12 قنطارا (مثل هذا اليوم) فقد تصل 15 ساعة كاملة، تبدأ على درجة حرارة 45، ثم ترتفع إلى 200 درجة، وتصل ذروتها ب900 درجة. وتترك العربات الناقلة للمخدرات حتى تبرد، قبل أن تخرج من الفرن على شكل رماد. وعن إمكانية حدوث طارئ قد يعيق استكمال العملية، ذكر مدير الأمن بالمحجرة أنه سبق وأن تعطّل الفرن وتوقفت العملية حتى تم إصلاح الفرن وتواصل الإتلاف إلى ساعة متأخرة من الليل. كما سبق وتوقفت العملية بعد انقطاع التيار الكهربائي، ولم تغادر اللجنة المكلفة بإتلاف المخدرات حتى أعيد التيار وتشغيل جهاز الحرق. وبعد ساعات من إتلاف 12 قنطارا من المخدرات، أعلن وكيل الجمهورية لدى محكمة ندرومة انتهاء العملية، وأمر أعضاء اللجنة بمغادرة الموقع بعد أن قام بتفتيش المكان، فيما أبقى على أمينة الضبط لتحرير محضر الإتلاف وتوقيعه. لغز ''الرأي والرأي الآخر'' استغربنا ونحن نعاين رفقة أعضاء اللجنة المشرفة على إتلاف 12 قنطارا كانت في رزم مغلفة بأكياس، وجود شعار قناة ''الجزيرة'' القطرية عليها، ودفعنا الفضول إلى طرح السؤال على مفتش رئيسي للفرق بالجمارك بالغزوات، السيد مقروض بن عمر، بخصوص استخدام المهربين هذا الشعار، وقال: ''إن بارونات المخدرات توظف في كل عملية تهريب مخدرات شعارات مختلفة، ربما تستعمل في الغالب رمزا للتواصل بين المهربين. وقدم هذا المفتش، الذي كان له دور في نصب كمين لعشرات المروجين للمخدرات، أمثلة عديدة، من ذلك حجز مخدرات مغلفة بأكياس تحمل شعار ''أهرامات مصر'' وأخرى تحمل شعار المصنع الألماني للسيارات ''مرسيدس''، كما عثرنا في الكمية المعدة للاتلاف شعار ''أف .''4 ويعتقد ضباط أمن، من أعضاء اللجنة الخاصة بإتلاف المخدرات، دون أن يذكر لنا أسمائهم أو رتبهم لأسباب أمنية بحتة، أن المهربين يستخدمون مختلف الحيل والأساليب والرموز لضمان التواصل بين الشبكات الإجرامية، بعد تشديد الجيش قبضته على الحدود مع مالي والنيجر منذ 5 أشهر، أي منذ اندلاع الحرب في مالي، حيث أصبح المهربون يفضلون منطقة تلمسان لصعوبة تضاريسها ومسالكها السرية والوعرة، غير أن العمل الإستخبارتي والتصنت على المكالمات الهاتفية للمهربين جعلهم في كل مرة يقعون في قبضة حرس الحدود ومصالح الأمن الأخرى. ''زحف أخضر'' من صديقنا الملك قدّر النائب العام لمجلس قضاء تلمسان السيد باي بن علي في حديث خص به ''الخبر'' كمية المخدرات التي حجزتها مختلف الأسلاك الأمنية عبر إقليم الولاية العام الفائت أزيد من 700 قنطار، تورط في ترويجها أزيد من 1400 متهم، فيما يقدّر إجمالي قضايا المخدرات المسجلة بمجلس قضاء تلمسان ب1066 قضية العام الماضي. ويقول النائب العام لمجلس قضاء تلمسان: ''بعد تقديم المتهمين في قضايا المخدرات بمختلف محاكم ولاية تلمسان نشكل لجانا لإتلاف المخدرات المحجوزة في سرية تامة، وبمحضر يتضمن تفاصيل العملية تسلم نسخة منها إلى النائب العام لمجلس قضاء وهران بصفته الرقم واحد في القطب الجزائي الجهوي المشرف على العملية، ويعطيه قانون مكافحة جرائم الفساد والمتعلق بالوقاية من المخدرات متابعة التحقيق بهذه الهيئة القضائية''. واعتبر ممثل وزير العدل وحافظ الأختام بتلمسان، أنه لم يسبق أن حجزت مصالح الأمن المختلفة هذه الكميات الخيالية من المخدرات مستدلا بقضيتين عالجتهما محكمة مغنية، الأولى في أكتوبر والثانية في نوفمبر من العام المنصرم ويتعلق الأمر بترويج 326 قنطار من المخدرات، بينما سجلت محكمة الرمشي في عمليتين، محاولة ترويج 54 قنطارا، ومحكمة ندرومة 12 قنطارا بداية الشهر الجاري، في حين سجلت محكمة تلمسان قضية 60 قنطارا ومحكمة أولاد ميمون 5 قناطير والقائمة مفتوحة. تلمسان في حالة حرب مع الزطلة وارتفع عدد القضايا المرتبطة بالإتجار بالمخدرات عبر مختلف محاكم الوطن في الفترة الممتدة من مارس 2012 إلى جانفي 2013 إلى ما يقارب الثلاثة أضعاف، ب7035 قضية حيازة واستهلاك المخدرات و2021 قضية اتجار، بما يوحي بوجود ''زحف أخضر'' مدمر من الحدود الغربية على أمن البلاد. وأسفرت جهود مصالح الأمن المختلفة في هذا المجال عن حجز 20 طنا من القنب الهندي المعالج، وكميات من الهيرويين قدّرت كميتها ب 269 ,3 كلغ و325, 18 كلغ من المخدرات الصلبة من نوع الكوكايين والهيرويين. وحجزت مصالح أمن الولايات والمصلحة الجهوية لمكافحة الاتجار غير الشرعي للمخدرات بولاية تلمسان ومصالح الشرطة بمطار هواري بومدين الدولي، هذه الكميات، بحوزة أشخاص معظمهم من جنسيات أجنبية، حاولوا استعمال الجزائر منطقة عبور نحو بلدان أوروبية وآسيوية بعد تشديد الخناق على جنوبالجزائر بسبب الحرب في مالي.
ملاحظة: الأرقام الخاصة بجهود مصالح الأمن في مجال حجز المخدرات تبقى متباينة بين جهاز أمني وآخر. فالأرقام المقدمة من طرف الدرك والشرطة والجمارك ومصالح دائرة الأمن والاستعلامات حول الكميات المحجوزة، تختلف من مصلحة إلى أخرى، في حين تتولى مديرية القضاء الجزائي بوزارة العدل تقديم الأرقام الدقيقة والرسمية عن كمية المحجوزات، إلى جانب الديوان الوطني لمكافحة المخدرات.