''الروس إذا دخلوا الجزائر لن يخرجوا منها''، كلمة قالها الرئيس الراحل هواري بومدين في 1966 للعقيد الطاهر زبيري، قائد أركان القوات المسلحة آنذاك، في جولة بالأميرالية في العاصمة، حينها أعلمه أن الاتحاد السوفياتي الذي يعد المصدر الأول للسلاح الجزائري طلب من الجزائر أن تسمح له بإقامة قاعدة عسكرية بحرية على أراضيها، وهو ما رفضه الرئيس بومدين بشكل مطلق. ولكن، ما الذي يدفع الروس إلى إعادة طرح نفس الطلب على الجزائر بعد قرابة نصف قرن، رغم علمهم مسبقا بحساسية الجزائر من فكرة إقامة أي قواعد بحرية أو جوية أمريكية كانت أو سوفياتية؟ والأكيد أن روسيا المنزعجة جدا من الدرع الصاروخي الذي نصبته الولاياتالمتحدةالأمريكية في أوروبا الشرقية وفي تركيا، وكذلك القواعد العسكرية والصواريخ المنصوبة في كوريا الجنوبية واليابان على مقربة من حدودها الشرقية، تريد الرد على طريقتها الخاصة على هذا الحصار الصاروخي الأمريكي الصامت. ومن بين أساليب الرد الروسي على الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفائها، حسب المحلل السياسي الروسي ماتزوف فتشيسلاف، إعادة تشكيل أسطول البحر الأبيض المتوسط الذي تم تفكيكه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، غير أن التحدي الروسي لحلف الأطلسي في البحر الأبيض المتوسط يواجه مشكلة عصيبة، فحلفاؤه في الحوض المتوسط يتساقطون الواحد تلو الآخر، فنظام العقيد معمر القذافي انهار وانهارت معه أحلام الروس في إقامة أول قاعدة عسكرية بحرية جنوبي المتوسط، وحتى ميناء طرطوس السوري، الذي يعد القاعدة البحرية الوحيدة للروس، مهدد بالضياع في حالة سقوط نظام الأسد، ولم يبق للروس من حلفائه القدامى سوى الجزائر التي وإن مالت اقتصاديا شطر الجبهة الرأسمالية، إلا أنها مازالت وفية للسلاح الروسي، بل تعد من أكبر زبائن روسيا في العالم بعد الهند. ومن هذا المنطلق تسعى روسيا لاستغلال علاقتها بالجزائر خاصة في مجال التدريب وتبادل الزيارات بين المفرزات البحرية بين البلدين للحصول على قاعدة عسكرية بحرية في الجزائر لاستفزاز حلف الأطلسي والأسطول الأمريكي السادس في البحر الأبيض المتوسط، والضغط على واشنطن ومساومتها من أجل تقديم تنازلات بشأن الدرع الصاروخي الأمريكي الذي تعتبره موسكو تهديدا عسكريا مباشرا لها. والمهم من كل هذا أن الجزائر، التي تعد تاريخيا من دول عدم الانحياز، ترفض أن تكون طرفا في صراع عالمي يريد إحياؤه فلاديمير بوتين لاستعادة مجد الاتحاد السوفياتي، والجزائر التي أخرجت الأسطول الفرنسي من قاعدة المرسى الكبير بشق الأنفس، لا يمكنها أن تسمح بقاعدة عسكرية روسية تجعلها طرفا مباشرا في معركة صامتة ضد الغرب لا ناقة لها فيها ولا جمل. [email protected]