تصدر بعض الوثائق عن موثقين رغم أنه غير معترف بها أمام العدالة، فأروقة المحاكم أصبحت لا تسع لقضايا كثيرا ما انتهت بضحاياها في الشارع أو السجن. يجهل الكثير من المواطنين العواقب المترتبة عن تعاملاتهم في عملية البيع والشراء، فقد يلجأون إلى التنازل عن طريق الاعتراف بالدين، والبيع بوكالة أمام الموثق، ليجدوا أنفسهم أمام المحاكم، ومنهم من يجد نفسه مطرودا في الشارع، بينما قد يكون آخر متابع في قضية تزوير من العيار الثقيل، لا لشيء سوى لأنه تورّط في بيع سيارة بوكالة. من بين القضايا التي لازالت مطروحة على المحاكم، كشفت عن تفاصيلها مصادرنا، قضية عقارية لعميد المدربين الرياضيين الجزائريين الشيخ المرحوم عبد الحميد كرمالي، الذي استفاد من شقة ببلدية بن عكنون بالعاصمة، منحتها له وزارة الشباب والرياضة، ثم قام ببيعها لصديقه بمبلغ قدره 350 مليون سنتيم، رغم أنه لا يحوز على أي عقد رسمي لها. ولسوء حظ المالك الثاني للشقة توفي كرمالي، وأصبحت ابنة هذا الأخير تطالب بالشقة، حيث قامت برفع دعوى بالطرد أمام المحكمة التي لم تفصل في القضية بعد. قضية أخرى كانت مطروحة على محكمة سيدي امحمد بالعاصمة تتعلق بالممثل سيد أحمد أفومي، الذي كان يملك منزلا بنواحي العاصمة، وبحكم تنقلاته المتكررة إلى الخارج، حدث أن سافر إلى فرنسا وترك المسكن لزوجته. غير أنه وبعد مدة معينة، عاد إلى أرض الوطن، ليتفاجأ بأن زوجته باعت المسكن بمبلغ 2 مليار سنتيم بواسطة التنازل بواسطة الاعتراف بالدين، الأمر الذي لم يهضمه، فراح يحرك دعوى أمام العدالة، انتهت بطرد المالك الثاني للمسكن. وفي قضية شائكة أخرى، كانت صدمة أحد المواطنين كبيرة عندما تسلّم حكما بالطرد من فيلا شيّدها ببلدية الشرافة بالعاصمة. هذا المواطن اشترى قطعة أرضية لا يملك صاحبها عقدا رسميا، بمبلغ خيالي، وشيّد عليها فيلا من ثلاثة طوابق، وبينما كانت في اللمسات الأخيرة، تفاجأ بالبائع يحتلها ويسكنها، ويدعي أنه هو من بناها لأنه يحوز على مقرر القطعة باسمه، والقضية حسب ما كشفه مصدرنا مرت على جميع أقسام العدالة، المدني العقاري والجزائي، ولم يفصل فيها بعد. كما استفاد إطار بمؤسسة عمومية حديثا، من سكن ترقوي ببلدية الرويبة بالعاصمة، قام ببيعه لزميل له بواسطة الاعتراف بالدين، شغله لسنتين كاملتين وأدخل عليه بعض الإصلاحات، إلا أن المالك الأول توفي، فطالبت زوجته وابنته بالشقة ليجد المالك الثاني نفسه في الشارع بحكم المحكمة. وتنطبق هذه الأمثلة أيضا على استعمال الوكالة في بيع وشراء السيارات، وهي الطريقة التي يعتمدها كثيرا من يتاجرون في المركبات رغم عواقبها حسب المحامية شهيناز بناني، التي أكدت أن الكثير من المواطنين يجهلون العواقب المترتبة عن هذه العملية، إذ قد يتورط صاحب الوكالة في قضايا تزوير هو في غنى عنها. وروت في هذا السياق، قصة تاجر في السيارات وكّل شقيقه لبيع سيارة فاخرة، بحجة أنه لا يملك الوقت، ولكن ظهر فيما بعد أن السيارة لم يتم دفع أعبائها، ليتفاجأ صاحب الوكالة بمحضر من قبل الشرطة للحضور أمام المحكمة التي ألزمته بدفع غرامة مالية قدرها 30 مليون سنتيم وعقوبة غير نافذة بالحبس. أما بالنسبة لقضية التنازل بواسطة الاعتراف بالدين، فقالت محدثتنا أنه ممنوع من الناحية القانونية، والزبون يلجأ إليه ليحمي نفسه، وحتى يسترجع المبلغ الذي دفعه مقابل شراء شقة مثلا، غير أنه يكون الخاسر في الأخير، لأن الحكم لا يكون في صالحه ويطرد منها ما دام لا يملك أي عقد استفادة، وهو حال أحد الأشخاص اشترى منزلا ب400 مليون سنتيم من شخص آخر يملك قرار استفادة من بلدية الحمامات بالعاصمة بواسطة التنازل بالاعتراف بالدين، ولكن بعد أن سوى المالك الأصلي وثائق المنزل أمام مصالح البلدية، تراجع عن عملية البيع بعد أن أخذ المبلغ، وطرحت القضية أمام محكمة باينام، أين صرّح المالك الأصلي أنه لم يبع المنزل، وإنما أعار المسكن مؤقتا لشخص ولم يبعه له، والأدهى من ذلك، تضيف المحامية، أنه لم يستطع سوى استرجاع نصف المبلغ. من الناحية القانونية، التنازل بواسطة الاعتراف بالدين، حسب المحامي عمار خبابة لا يعدّ ضمانا ولا يمنح لصاحبه المستفيد من قطعة أرضية أو مسكن أي حق، لأنه لا يوجد عقد رسمي، وإنما هو مجرد عقد مدني. مشيرا إلى أن الآلاف من القضايا مطروحة على العدالة تتعلق بهذا النوع من القضايا، التي يكون فيها المستفيد بواسطة التنازل بالاعتراف بالدين الخاسر الأكبر، إذ يتم في الغالب طرده من المسكن مثلا بحكم قانوني. وذكر محدثنا أن هذا النوع من التعامل أصبح بمثابة قنبلة موقوتة في الجزائر، فهو مصدر للمساومة والتحايل بالنسبة للكثيرين، باعتبار أن صاحب العقد المدني للمسكن أو القطعة الأرضية يطلب من الزبون أموالا خيالية، وهناك من يرفع دعوى قضائية يكسبها في الأخير. من جهته، قال المحامي بلحاج فؤاد، أن التنازل عن طريق الاعتراف بالدين لا يعتبر سند ملكية للعقار، وهو عملية تتم بين البائع والشاري ضمنيا، ولكن الشاري ولضمان حقوقه، يلجأ إلى الاعتراف بالدين حتى يضمن الأموال التي دفعها للبائع في حالة تراجعه عن عملية البيع، وهي عملية غير معترف بها قانونا، وتجعل الزبون يخسر كل شيء في آخر المطاف ''الشقة وثمن بيعها''. واستدل المحامي هنا بقضية لأحد أقاربه، اشترى شقة ملك لديوان الترقية والتسيير العقاري بباب الزوار بالعاصمة، بمبلغ 150 مليون سنتيم، من خلال التنازل بواسطة الاعتراف بالدين ووكالة للتصرف فيها، وبعد أن انتهت مدة عقد الإيجار وأصبحت الشقة ملك لصاحبها الأصلي، تراجع عن بيعها ورفع قضية أمام محكمة الحراش ليطرد الزبون من الشقة، ولم يكن أمام هذا الأخير سوى رفع دعوى نصب واحتيال أمام العدالة. موثقون يعترفون باستعمالها في غير محلها عقود الاعتراف بالدين ووكالات التصرف غير قانوني تستخدم بعض الوثائق التي تحرر لدى الموثقين بطرق غير قانونية، رغم أن استخراجها يتم بصفة قانونية وتعتبر وثيقة الاعتراف بالدين ووثيقة وكالة التصرف من بين الوثائق الأكثر استخداما في مجالات البيع والمعاملات التجارية، حيث تستعمل كبديل لوثائق أخرى بغرض التهرب من الضرائب وكسب الوقت وبيع بعض الملكيات التي لا يملكون بخصوصها قرارات استفادة مؤقتة، ويكون الغرض الحقيقي والواقعي منها تجاري، في حين يبقى الغرض القانوني والشكلي لها من أجل الدين. وتعدّ وثيقة الاعتراف بالدين سندا تنفيذيا يقوم بإجرائه الطرف الدائن لتحصيل الدين ضد الطرف المدين، ويمكن أن ينتقل الدين إلى ورثة الطرفين الذين يملكون الحق في المطالبة بأموالهم، ويستعمل المواطنون الوثيقة لأغراض التهرب من الضرائب وفي إطار النشاط التجاري، بحيث يستعملونها في عقد الصفقات، وعند إرجاع المبلغ يتم إعادته بفائدة أو بالنسبة للأشخاص الذين يملكون سندات مؤقتة لا تمكنهم من بيع ما يملكونه، سواء أكانت محلات أو سكنات أو غيرها. ويتم تحرير وثيقة الاعتراف بالدين بالاتفاق بين الطرفين خاصة ممن يملكون قرارات استفادة مؤقتة، مما يدفعهم إلى بيع ممتلكاتهم باستغلال الوثيقة، كضمان لاستعادة المال في حال تراجع البائع عن بيعه واسترجع ملكيته. ولا تستند وثيقة الاعتراف بالدين إلى أي أساس قانوني في عقود البيع، وهو ما أدخل العديد من الأطراف في مشاكل كبيرة انتشرت في أروقة المحاكم، خاصة أنه لا يوجد أي قانون يلزم المدان بتسديد دينه، كما لا يتوجب عليها أي أثر قانوني بالنسبة للمدان خاصة إذا لم يكن لديه أي عقار أو ملكية باسمه. وتعتبر القضايا التي تندرج في هذا الاطار مدنية ولا يمكن أن يدخل على إثرها الأشخاص المتعاملون بها إلى السجن أو يمارس عليهم الإكراه البدني للحبس من طرف القاضي، ذلك أن إجراء حبس الطرف المدان تم إلغاؤه منذ سنوات. وعليه، فإنه لا يبقى للدائن إلا الحجز على أموال وملكيات المدين في إطار إجراءات الحجز التي ينص عليها القانون. وإذا لم تكن للمدان أموال أو ملكيات، فإن القاضي مخوّل لمنحه جدولا للتسديد، مع عدم توفر الآلية القانونية التي تخول للقاضي إجبار المدان على تسديد الدين من راتبه الشهري خاصة إذا كان ضعيفا، وهو ما يجعل الطرف المدني دون حماية قانونية في حال تخلّف الطرف المدان عن تسديد دينه. وتبقى وثيقة الاعتراف بالدين دون ضمان الأكثر شيوعا نظرا لعدم ترتب أعباء مالية عليها، ما عدا 500 دج كقيمة لحقوق التسجيل، في حين وثيقة الاعتراف بالدين بضمان يترتب على صاحبها تقديم 5 في المائة من قيمة المبلغ إلى مصالح الضرائب. ويلجأ المواطنون من مالكي السيارات عادة إلى وثيقة وكالة التصرف كوسيلة للتهرب من دفع الضرائب وتبييض الأموال، رغم أن استخدامه محدد في إطار قانوني خارج عمليات البيع، إلا أن مالكي السيارات على وجه الخصوص، يستعملونه لكسب الوقت والربح السريع والتهرب من دفع الضرائب ويتركون أنفسهم دون حماية قانونية في حال تراجع الموكل عن قراره وقام بإلغاء وكالته بتبليغ الوكيل عبر المحضر القضائي، وتسقط الوكالة بمجرد وفاة أحد الطرفين، مما يجعل الطرف الثاني دون حماية قانونية في حال طالب الورثة باسترجاع ملكية والدهم أو والدتهم. ويتحمل المشتري مسؤوليته لدى إجراء العقود، ذلك أن العملية لا تمكّنه من أية ضمانات في حال تراجع البائع عن قراره أو تحايل عليه، وهو ما يجعله دون حصانة لدى لجوئه إلى المحكمة. وتصدر وكالة التصرف لصالح ثلاثة أطراف فقط وفق القانون، حيث تتم بين الموكل أو البائع الأول والوكيل أو المشتري وطرف ثالث في حال تضمّن العقد حق الإنابة وصلاحية توكيل الغير، مع توفّر الحق القانوني لنائب واحد فقط، بحيث لا يستطيع الموكّل تحرير أكثر من وكالة واحدة، إذ يستلم الطرفات بعد إنجاز العقد وثائق الشيء المباع والنقود، مما يجعل إنجاز هذا النوع من العقود ذو مسؤولية تضامنية بين الموكل والوكيل فقط. وتعتبر الثقافة القانونية لدى المواطن محدودة في مثل هذه المجالات، كونه لا يعرف الانعكاسات السلبية التي تترتب على الاستعمال غير القانوني لبعض الوثائق، ويقع الموكل والوكيل في العديد من المخاطر، بحيث غالبا ما تضبط السيارات وهي تحتوي على كميات معتبرة من الممنوعات، الأمر الذي يجعل المالك الأصلي للسيارة أو الموكل يستدعى من طرف المحكمة ويعاقب مكان الوكيل، بحيث يتحمل المسؤولية القانونية لأن وثائق السيارة تحمل اسمه. ومن جانبه، لا يتحمل الموثق أية مسؤولية قانونية، بحيث لا يملك الصلاحيات القانونية لمساءلة الزبون عن الغرض الذي يتوخاه من إنجاز الوكالة أو وثيقة الاعتراف بالدين، كما لا يملك الحق قانونا في رفض تقديم الخدمة لأي مواطن إذا ما كانت ملفاته كاملة وتتوفر فيها كافة الشروط القانونية لإنجاز الوثيقتين، على غرار رضا الطرفين والإيجاب والقبول والشاهدين والملفات الادارية اللازمة. الجزائر: مريم شرايطية المحامي بولفراد ل''الخبر'' ''وثيقة الاعتراف بالدين والوكالة لا فائدة منهما قبل الوفاة أو بعدها'' أكد رجال القانون، أن وثيقة الاعتراف بالدين ووكالة التصرف تسقط بمجرد وفاة أحد الطرفين المتكاتبين، بحيث يحق للورثة المطالبة باسترجاع ملكية آبائهم، سواء كانت شقق أو سيارات أو عقارات دون أن يكون للمشتري سلطة القانون لمنعهم من ذلك. ويقول المحاكي جمال بولفراد أن وثيقة الاعتراف بالدين ووكالة التصرف لا تملكان أي صيغة لحماية المشتري أو الطرفين المتكاتبين على وجه الخصوص، مما يجعلها حالة يغامر فيها الطرفين. وأشار إلى أن الوثيقتين لا فائدة منهما في هذه الحالة، كما لا وفائدة منهما بعد وفاة الطرفين، إذ يمكن أن يعيد الورثة المال لصاحبه مقابل استرجاع ملكيتهم العقارية أو غير ذاك. الجزائر: مريم. ش