إن السياسة لعبة تنازعية بين مختلف القوى والفعاليات، وبمعنى أدق "النخب"، وإن من أهم إنجازات الديمقراطية خلق آليات تنظيم الصراعات، وهي الانتخابات الدورية التي ينتج عنها تجديد دوري للنخب الحاكمة، بما يضمن تجاوب النظام السياسي مع بيئته، وذلك من خلال صنع سياسات عامة ناجعة وفعالة تلبي احتياجات المواطنين. مجتمع الاغتراب السياسي الاغتراب السياسي مفهوم من مفاهيم علم النفس السياسي، وهو يعني، حسب "لونغ"، "حالة من الشعور بعدم الرضا وخيبة الأمل، والشعور بالانفصال عن السياسيين وعن السياسات الحكومية والنظام السياسي". ويحدد "لونغ" التفسيرات المختلفة لحدوث الاغتراب في عدة نقاط، أهمها: -عدم قدرة الناس وعدم رغبتهم في المشاركة السياسية عبر كل مستوياتها، سواء كانت الانخراط في الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، أو المشاركة في الانتخابات. - شعور الفرد بأنه لا يحظى بالامتيازات نفسها التي عند أصحاب المراكز في المجتمع، وهي حالة "غير المتميزين اجتماعيا". إن إجراء استقراء بسيط في نتائج الانتخابات التشريعية والمحلية الأخيرة ونسبة المشاركة فيها، بغض النظر عن مدى صحة الأرقام، يوضح، بجلاء، أن المجتمع الجزائري يعيش حالة متقدمة من الاغتراب السياسي، تبرز كذلك في العزوف الشعبي عن الانضمام للأحزاب، التي يعاني معظمها من السبات السياسي، ومن ضعف التأثير في الواقع الاجتماعي والسياسي. من الوطنية إلى المواطنة الوطنية، كمفهوم وشعار، تعد من أكبر المفاهيم المجني عليها، نتيجة الممارسات السلطوية للنخب الحاكمة في العالم العربي عموما، وفي الجزائر خصوصا، هذه النخب احتكرت، ولعقود طويلة، ضبط المفهوم وتحديد مقاييسه ومن يتصف به، فكل من في صفها فهو رمز للوطنية والتفاني في خدمة الوطن، وكل من يعارضها بحق فهو خائن وعميل ومشترك في مؤامرة أجنبية، وليس ذاك إلا لضمان استمرارية هيمنتها على السلطة والثروة. أما المواطنة فتعني علاقة الفرد أو الجماعة بالدولة، يدينون لها بالولاء، في مقابل أن تلتزم الدولة بتأمين حقوق ومنافع معينة لهم. من هذا المنطلق ما أحوجنا، نحن في الجزائر، إلى قراءة كل مطالب إخوتنا من أبناء الجنوب الكرام، أو غيرهم من باقي جهات الوطن، باعتبارها حقوقا مشروعة لمواطنين، وليسوا عملاء ولا خونة، كما تدّعي بعض الأبواق. الحاجة إلى التغيير في الجزائر التغيير في الجزائر، الآن، هو ضرورة تاريخية، للتمكن من مواجهة كل التحديات الراهنة، الداخلية منها والخارجية، ومنه تسطير سياسات تنموية حقيقية تواكب وتشبع المتطلبات المتزايدة للمجتمع الجزائري، وهذا لا يكون إلا بتعبئة كل القوى الحية للأمة. التعبئة عند "غاي روشيه" تعني "توظيف مختلف الموارد البشرية والمادية والتقنية، بهدف تحقيق مصلحة عامة، وذلك تحت إشراف سلطة شرعية"، ويضيف أن الشرط الأساسي لنجاح عملية التعبئة يتوقف على مدى مصداقية ومشروعية النخب الحاكمة. وللأسف الشديد، فإن ما نُشر، مؤخرا، عن فضائح الفساد وسوء تسيير المال العام يشكل ضربة قاصمة لمصداقية هذه النخب، ما يعني، ببساطة، ضرورة إحداث التغيير، خاصة وأن أغلب الفواعل المؤثّرين في النظام السياسي الجزائري قد تجاوزوا سن السبعين، على أن لا يكون تغييرا ضمن الاستمرارية، كما عوّدونا، لأن ذلك يعني، بمنتهى البساطة، أننا سنرجع إلى نقطة الصفر. *طالب دكتوراه في العلوم السياسية جامعة الجزائر 3