يصنعن بأناملهن ما عجز عنه الأصحاء، فرغم العجز الجسماني الذي يعانين منه إلا أن فدوى وزميلاتها أبين إلا أن يثبتن جدارتهن في المجتمع، من خلال إبداعات يدوية شرعن في تجسيدها بعد خضوعهن للتكوين. إلا أن ما يؤرق هذه الفئة من ذوي الإرادة، نقص الدعم والمساندة من طرف السلطات العمومية التي لم تمكّنهم من محلات يستطيعون إطلاق نشاطاتهم بها. كان هذا انشغال الكثيرين من ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين تمكنوا من التغلب على إعاقاتهم. تقول فدوى حمايدية التي تعاني من إعاقة سمعية في لقائها مع “الخبر”، إن فئتها لا تبحث عن نظرات العطف والشفقة من طرف الآخرين، بل تسعى إلى إثبات نفسها والتمكن من الاعتماد على نفسها في كسب رزقها. شهادات تكوين بلاد جدوى تحصلت فدوى ذات ال20 ربيعا على أزيد من 5 شهادات تكوين في عدة تخصصات، تحصلت عليها من مركز التكوين المهني لذوي الاحتياجات الخاصة بالحراش، حيث احترفت الرسم والتزيين بالورود على القماش والخشب والعمل بالعجينة الكيميائية والطرز والخياطة على الحرير. تقول محدثتنا “لا أريد أي مساعدة مادية من طرف الآخرين، أريد أن يكون لي محل أو ورشة عمل مستقلة، أمارس فيها حرفتي وأتمكن من تلقينها لفتيات أخريات، أو أن أحصل على الدعم لفتح مؤسسة مصغرة عن طريق قروض وكالة القرض المصغر”. سالم جميلة التي تعاني من إعاقة حركية، وجدناها على كرسيها المتحرك تعرض منتجاتها بإحدى زوايا المركز الثقافي بجسر قسنطينة. ولدى سؤالنا لها عن طموحاتها، قالت جميلة إنها لا تريد من الناس أن ينظروا إليها بعين الشفقة، ذلك أنها تمكنت من إثبات نفسها على غرار الأشخاص العاديين. وتضيف محدثتنا أن المعاقين، اليوم، لا يبحثون عن من يوفر لهم المال، بل يبحثون عن من يوفر لهم الإمكانات ليتمكنوا من كسب المال، ذلك أن المساعدات المادية، حسبها، تنفد مع الوقت إذا ما لم تستثمر في مشروع يمثّل الاستمرارية في النشاط لهذه الفئة، وأضافت أنها ومثيلاتها لا يردن “صدقة من الدولة” بل يردن إعانة تمكّنهن بعزيمتهن وإرادتهن المتوفرة من الكسب “ولمَ لا المشاركة في تنمية الاقتصاد الوطني”. 4 سنوات من الانتظار ما تفكر فيه جميلة ومثيلاتها قد لا يكون بعيد المنال، إلا أن العراقيل التي تواجهها هذه الفئة في محاولتها للاعتماد على نفسها طالما جعلت العديد من أمثالها يتخلون عن طموحاتهم في الحياة ويرضون بما يقدم لهم من طرف غيرهم، هذا الواقع الذي رفض بوشعير رؤوف من بلدية براقي تقبله، بعدما احترف صناعة مختلف أثاث الزينة والديكور باستعمال الفسيفساء التقليدية، حيث أبدع في لصق قطع السيراميك في تناسق تام يكشف عن موهبته الفريدة. يقول محدثنا إنه وجد نفسه مضطرا لممارسة مهنته في المنزل بعد انتهائه من التكوين، وهو الأمر الذي جعل مداخيل عمله محدودة بالنظر إلى ضيق المكان الذي يخصصه للعمل. ودعا رؤوف الذي يعاني من إعاقة حركية الجهات المعنية في الدولة إلى دعمه بمحل أو ورشة عمل مصغرة تمكنه من ممارسة عمله بوتيرة مناسبة وتلقين حرفته للشباب الراغبين في ذلك، خاصة أنه قدم ملفا لدى مصالح بلدية الحراش منذ 4 سنوات، إلا أنه لم يتلق أي إجابة. وعن مصدر تمويل أعماله، قال محدثنا إن الجمعيات التي ينخرط بها توفر له إعانات مالية تمكّنه من شراء المادة الأولية للعمل. غياب ورشات محمية سمية عزوز هي الأخرى شرحت لنا باستعمال الإشارات رغبتها في مواصلة نشاطها، وبمساعدة خاصة من زملائها في الجمعية، تمكنا من فهم رسالتها إلى الجهات المعنية. سمية التي تحترف الخياطة والطرز والتزيين بالورود، تطمح إلى إنشاء ورشات محمية في جميع الميادين تكون مفتوحة لذوي الاحتياجات الخاصة فقط، وتمكّنهم من الشروع في نشاطاتهم، ورشات تكون بمثابة مجموعة محلات يستفيد منها المعاقون، على أن يتركوها بعد تمكنهم من فتح محلاتهم الخاصة. أين محلات الرئيس؟ وقالت محدثتنا إن المشكل الرئيسي لهذه الفئة هو غياب وعاء عقاري يستقطب نشاطاتهم، حيث لا توفر السلطات المحلية في مقدمتها البلدية هذه المرافق، رغم أن مشروع رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة يقضي بتوفير 100 محل في كل بلدية. وأشارت سمية إلى أن المعاقين “مؤهلون ومتخرجون من مراكز تكوين ذات مستوى، لذا نريد مساعدتنا للعمل وكفانا من النظرة الدونية والشفقة”. تطور اجتماعي يفرض الإدماج ويرفض المعاقون، اليوم، حسب السيدة دباري علجية، رئيسة جمعية “التحدي” لإدماج ذوي الاحتياجات الخاصة، تلقي منحة 4000 دج والمكوث دون مهنة، هذا الواقع الذي بات يفرضه التطور الاجتماعي الحاصل، وفقها، يؤكد أهمية إيلاء الدولة الأولوية لهذه الفئة من أجل تمكينها من الاعتماد على نفسها وكسب قوت يومها، من خلال البرامج التي تهدف إلى مرافقتها في وضع أولى الخطوات في عالم الشغل. وبالنظر إلى طبيعة الإعاقات التي يعاني منها كل فرد من هذه الفئة، فإن “الحرف” تعتبر من بين الميادين الهامة التي تستقطب اهتماماتهم. ومن جانبها، قالت رئيسة جمعية ترقية الفتاة، السيدة عائشة شلابي، إن مختلف الجمعيات الناشطة في المجال تهدف إلى إدماج ذوي الاحتياجات الخاصة في مجال الشغل، من خلال تمكينهم من خلق مشاريع مصغرة ومرافقتهم في التكوين والعمل. وأوضحت بأن هذا الإدماج سيجري تجسيده في الميدان “قريبا”، بالتعاون مع وزارة التضامن الوطني والأسرة ووكالة القرض المصغر “اونجام”، كما تعمل الجمعيات على تلقين ذوي الاحتياجات الخاصة كيفية تسيير مؤسساتهم.