ليس الفرنسيون وحدهم من يبدع لهم قاموسهم مثل ”لاروس”، وليس العرب وحدهم من يبدع لهم قاموسا مثل ”المعاني”، فللجزائريين رئيس وزراء يبدع ويصنع قاموسا جديدا، ومفردات لخطاب غارق في الشعبوية. في المرة السابقة قال الوزير الأول إنه لم يقل كلمة ”شرذمة”، تلك الكلمة التي أغضبت شباب الجنوب، واعترف أنه لا يعرف معناها أصلا، لكني أعتقد أنه هذه المرة يعرف معنى كلمة ”الزمياطي” التي أطلقها عندما تحدّث في ملتقى الاتصال المؤسساتي، وفي حضور خبراء عرب وأجانب. سألني خبير تونسي كان يشارك في الملتقى عن معنى كلمة ”الزمياطي”، لأن موجة من الضحك تلت نطق الوزير الأول بها، لم أجد كيف أفسر له هذه الكلمة، ووجدت أنه عليّ، أيضا، أن أتسلّح بالعبقرية، وأعيد حفظ الأمثال الشعبية لنتلقف كلمات سلال الخارجة من قاموس البهلوانية السياسية. لقد وجدت السلطة أخيرا في سلال حلّها السحري، فهو الوحيد الذي يمارس ”البهلوانية السياسية”، ويمكنه أن يحوّل مأساة البطالين والغارقين في مأزق السكن وأزمة الصحة، وعطشى الماء والمتسولين للكهرباء، إلى لحظات ضحك على مأساتهم، ويتحدّث بلغة تحتاج لفهمها إلى دكتوراه في ”علم الزمياطي”. فهو الوحيد الذي يقول للجزائريين ”شعبنا يحوّس على الخبز”، و«نلڤاو رواحنا في الزبربر”، وفي ”القرون الوسطى”، و«الجثة في البلانكار”، و«البوتيكة” و«مول البوتيكة”، و«عندنا النيف” و«عندنا الخنشول”، و«مازال ما ولداتوش أمو اللي يضغط علينا” و«نهدر لكم من ڤلبي”، و«هاذ الخدمة تطلب واحد يقدم” و«أحنا مقدمين وجايبينها وربي كبير”، و«أحنا نسجّعو”، و«لازم تسلم مشروع السكنات قبل رمضان حتى ياكلو فيها البقلاوة في العيد”، و«للي يقولو البترول سينتهي قريبا في الجزائر، يروحو يبخروا هوما” و«هامليكم واشنقوهم”، و«بلادنا بخير والدليل أن الترمناتور (أرنولد شوارزنيغر) يزور بلادنا”، و«أحنا ما نخافوش من المستقبل لأنو عندنا الغاز والبترول”. يذكّرني هذا الخطاب باللجان الشعبية في ليبيا، وما أخشاه أن يقودنا هذا الخطاب الشعبوي الغارق في البداوة إلى مزيد من الغموض والضبابية، وإلى فوضى المسؤولية، وأخشى أكثر حين أقرأ أن السلطة تفكر في الدفع بسلال إلى الترشح لرئاسة الجمهورية. نحن في بلد ولسنا في سيرك، والجزائر تستحق مسؤولين لديهم حرارة المسؤولية والتفكير في المستقبل، وليس قصّ ولصق الكلام، وإتقان ألعاب السيرك.