الإخوة في المغرب الشقيق يمارسون العلاقات مع الجزائر ببله يشبه البله الذي تتعامل به السلطات الجزائرية مع ملف المغرب العربي. منذ 30 سنة، سعت المملكة المغربية جاهدة وبوساطة سعودية، إلى إقناع الرئيس الشاذلي بن جديد، رحمه الله، بفصل مسألة الصحراء عن العلاقات الثنائية بين المغرب والجزائر.. وأدى هذا الأمر إلى عقد لقاء بين الشاذلي والحسن الثاني في منطقة زوج بغال الحدودية.. وتم فصل قضية الصحراء عن العلاقات الثنائية وأدى ذلك إلى تسارع في العلاقات بين المغرب والجزائر وكانت من نتائجه فتح الحدود ولقاء زرالدة الخماسي ثم لقاء فاس الذي ولدت فيه منظمة الاتحاد المغاربي. لكن، بمجرد أن دخلت الجزائر في أزمة 1992، سارعت المملكة المغربية إلى إعادة ربط مسألة الصحراء بالتقدم في موضوع الاتحاد المغاربي، فجمّد المغرب الاتحاد وهياكله، بل وفرض التأشيرة على الجزائريين وأعاد ربط العلاقات بين البلدين بحل مسألة الصحراء. وكان رد الجزائر منطقيا وهو غلق الحدود، بل ربط فتحها بحل مسألة الصحراء وحل مسألة المخدرات، إضافة إلى الاتحاد المغاربي. وعاد المغرب من جديد يناضل من أجل فتح الحدود وفصل قضية الصحراء والمخدرات وقضايا الأمن والعلاقات الثنائية، عن مسألة الصحراء ومسألة الاتحاد. وأتذكر أن الرئيس بوتفليقة أبدى انزعاجه من تركيز المغرب على مسألة فتح الحدود، إلى درجة أن الحسن الثاني كان يوسط جميع الرؤساء والملوك الذين يزورون الجزائر، بطرح المسألة على بوتفليقة. ومنذ شهور، بدأت الجزائر تتجه إلى إطلاق حوار سري مع المغرب حول مسألة فتح الحدود ومعالجة مسألة المخدرات ومسألة الأمن ومسألة الصحراء.. لكن المغرب عاد إلى عادته القديمة في استعمال المصاعب السياسية التي تعيشها الجزائر في التأثير على سير المفاوضات حول فتح الحدود.. معتقدا أن الصعوبات التي تواجهها الجزائر بسبب الاضطرابات السياسية التي بدت له أنها حصلت في مقصورة قيادة البلاد في الجزائر بمرض الرئيس، يمكن أن تساعد المغرب على فرض وجهة نظره وإملاء شروطه، فأطلق إعلامه وسياسييه على الجزائر.. مرتكبا نفس الأخطاء التي ارتكبها سنة 1993 عندما جمّد هياكل اتحاد المغرب العربي من جانب واحد، وفرض التأشيرة على الجزائريين دون مشاورات مع الجزائر. هل يعقل أن يدعو المغرب إلى فتح الحدود وهو يطالب بإعادة رسم الحدود مع الجزائر من جديد؟ أي يطالب بأجزاء من الجزائر؟! إنه البله السياسي بالتأكيد. المصيبة أن الجزائر التي تطالب بوقف إنتاج وتصدير المخدرات المغربية إلى الجزائر، أصبحت مطالبة بأن تعوض المزارعين المغاربة عن وقف زراعة المخدرات، وأغلب مزارعي المخدرات هم من رجال القصر والسلطة في المغرب، وأن إنتاج المغرب من هذه السموم بلغ 40 ألف طن سنويا وهي بذلك أول بلد في العالم منتج للسموم ويطلب من الجزائر أن تعوّض رجال السلطة في المغرب عن عدم إنتاجها.! أي أننا نشتري من المغاربة عدم إنتاج المخدرات! المصيبة الأكثر، أن قضايا المخدرات أصبحت تهدد الأمن القومي الجزائري لارتباطها بالفساد ورجال الفساد في الجزائر وبالإرهاب، فضلا عن أن الجزائر تحولت من منطقة عبور إلى منطقة استهلاك. ما أردت قوله، أن المغاربة مازالوا يستثمرون في المشاكل السياسية الجزائرية الظرفية، وفي كل مرة يوسّعون الهوة بين البلدين والشعبين بسبب هذا البله السياسي.