ورد هذا القانون الربّاني في ثنايا قصّة سيّدنا يوسف عليه السّلام: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ * قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} يوسف:52-50. وبعيدًا عن اختلاف المفسّرين هل هذا من كلام يوسف عليه السّلام أو كلام امرأة العزيز، فأوّل ما يلاحظ هو استعمال صيغة الجمع، إذ لم يقُل سبحانه: كيد الخائن مع وفائه بالمعنى، وذلك لئلا يُتُوهّم أنّ الحديث عن خائن معيّن –أي امرأة العزيز- فيصير الجمع في هذا الموطن قرينة على قصد العموم والاستغراق وشمول الحكم لكلّ الخائنين. قال ابن عاشور رحمه الله: ”ومعنى {لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} لا ينفذه ولا يسدّده. فأطلقت الهداية الّتي هي الإرشاد إلى الطريق الموصلة على تيسير الوصول، وأطلق نفيها على نفي ذلك التّيسير، أي أنّ سُنّة الله في الكون جرت على أنّ فنون الباطل وإن راجَت أوائلها لا تلبث أن تنقشع {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ}. والكيد: يرادف المكر والحيلة، فهو ضرب من الاحتيال، وقد يكون مذمومًا وممدوحًا، وإن كان يستعمل في المذموم أكثر؛ لأنّه غلب استعماله في الاحتيال على تحصيل ما لو اطلع عليه المَكيد لاحترز منه، فهو احتيال فيه مضرّة ما على الذي يُكاد له”. وإجمالاً، يجوز أن يكون المراد: لا يهدي كيد الخائنين، أي لا ينفذه ولا يسدّده ولا يتمّه ولا يكمله، بل يبطله ويزهقه؛ فهداية الكيد مجاز عن تنفيذه، ويجوز أن يكون المراد: لا يهدي الخائنين بسبب كيدهم، فأوقع الهداية المنفية على الكيد، وهي واقعة عليهم مجازًا للمبالغة، أيّ لا يهديهم في كيدهم حتىّ يوقعوه على وجه يكون له تأثير يثبت به ويدوم. والنتيجة واحدة: أنّ صاحب الخيانة لا بدّ وأن يفتضح، وإن طال الزّمن. ولا بدّ أن تعود خيانته ومكره وكيده على نفسه، ولا بدّ أن يتبيّن أمره. إذن هو حكم الله وقانونه: كلّ خائن خائب، وكلّ خيانة ستعود خسرانًا على مرتكبها، وكيف يُوفّق مَن لا يحبّه الله؟! {إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْخَائِنِين}. أستاذ في المدرسة العليا للأساتذة