استهداف الإسلام والطعن في ثوابته والهجوم على مقدساته نتيجة منطقية لمحاولات الاستشراق المتجددة لإيجاد تناقضات في منظومته العقيدية والتاريخية والاجتماعية والسياسية، وانصبت جهودهم على التشكيك في موقف الإسلام من المرأة والزعم بأنه دين »لا يحترمها« من خلال تصيد بعض الكلمات أو المواقف وتعمُّد تحريفها وتحميل معانيها بالادعاءات الباطلة مثل زعمهم أن القرآن يكرس الانتقاص من المرأة باتهامها بأن كيدها يفوق كيد الشيطان في قوله: _إن كيدكن عظيم _ يوسف 28، على حين أنه سبحانه وصف كيد الشيطان بأنه ضعيف: _إن كيد الشيطان كان ضعيفا_ 76 النساء. ويقول الدكتور منتصر مجاهد أستاذ الدراسات الإسلامية إن المعنى العام للكيد في اللغة هو الصنع والتدبير والتآمر، وللكيد أنواع ومراتب، أعظمها الكيد للأتقياء والشرفاء وذوي العفة، إذ يترتب عليه فساد كبير، وأدناها مطلق الكيد الذي جُبل عليه بنو آدم، ولفظ الكيد استخدم في القرآن الكريم في أكثر من موضع وبعدة معان، فقد يجيء من الرجال، مثل قوله: _قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا_، كما جاء استخدامه من الشيطان: _فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا_، وأيضا استخدمه الأنبياء: -وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين_ 75-85 الأنبياء، وكذلك: _فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف_ يوسف 76، والله تعالى يستخدم الكيد: _وأملي لهم إن كيدي متين_، وقوله سبحانه: _إنهم يكيدون كيداً وأكيد كيدا_ الطارق 15-16. ومن هنا يتضح أن الكيد ليس خاصا بالنساء والشيطان، بل استخدمه الله سبحانه وتعالى والأنبياء وعموم الرجال كما أخبرنا القرآن الكريم. وقال إن الآيات الكريمة تتحدث بشكل محدد ودقيق عن شهادة براءة يوسف عليه السلام من اتهام امرأة العزيز له بمحاولة الاعتداء عليها، وقيام أحد أقربائها بتوضيح البرهان الذي برأه من كيدها وذلك في قوله عز وجل: _وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك_ إلى قوله تعالى: _فلما رأى قميصه قُدَّ من دُبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم_ يوسف 23- 28. حيث ندرك من السياق أن هذه الآية لم تنزل في النساء بشكل عام، بل نزلت في النسوة اللاتي كدن لسيدنا يوسف عليه السلام بشكل خاص. ويؤكد أن كثيراً من المفسرين ذهبوا إلى أن الكيد كان من النساء اللاتي تغلب عليهن صفة امرأة العزيز ولا يعمم هذا القول على جميع النساء، ويتضح هذا من قوله تعالى: _قال إنه من كيدكن_ فهو إخبارٌ عن فعل قد كان بأنه كيد، وأضافه إلى ضمير الخطاب، لأن المقام مقام تأنيب وزجر، ولم يصفه بوصف زائد على كونه كيدا. بل أسند الكيد إلى الفعل، للإشعار بتلبس هذا الفعل بالكيد، ثم عقَّب عليه بقوله: _إن كيدكن عظيم_، أي هذا الكيد الذي قد كان منكن في حق يوسف عظيم، لعظمة من كيدَ له لأنه نبي من أنبياء الله، فضمير جمع الإناث _كيدكن_ خطاب لامرأة العزيز، فدخل فيه من هن من صنفها بتنزيلهن منزلة الحواضر، ولأنه كان عن إصرار، فاكتسب الكيد هذا الوصف، وبالتالي فكل كيد أدى إلى مفسدة عظيمة، في المجتمع من قذف العفيف وإشاعة الإفك ورمي الناس بالباطل، هو من قبيل الكيد العظيم. وأضاف: إن اللجوء إلى تحميل كلمات القرآن ما لا تحتمل للتشكيك في موقف الإسلام من المرأة خطأ يقع فيه الذين لا همَّ لهم سوى إثارة الشبهات بغير حجة أو دليل مثل زعمهم أن القرآن الكريم يعمم الحكم والوصف على النسوة في سورة يوسف لكي ينسحب على نساء العالمين كافة، ومحاولة الإيهام والتلبيس والخداع بعقد مقارنة واهية بين كيد النسوة وعظم ما صنعن من جهة، وكيد الشيطان وحزبه وضعف صنيعهم وهوانه من جهة أخرى، في قوله تعالى: _الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا_. ويقول إن تأمل تفسير هذه الآيات كما جاء في كتب التفاسير المعتمدة يوضح أن المقصود هو أن الذين آمنوا وصدقوا الله ورسوله، وأيقنوا بموعود الله لأهل الإيمان به _يقاتلون في سبيل الله_، في طاعة الله ومنهاج دينه وشريعته التي شرعها لعباده، و_الذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت_، أي والذين جحدوا وحدانية الله وكذبوا رسوله وما جاءهم به من عند ربهم يقاتلون في طاعة الشيطان وطريقه ومنهاجه الذي شرعه لأوليائه من أهل الكفر بالله. ويقول الله، مقويا عزم المؤمنين به من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحرضهم على أعدائه وأعداء دينه من أهل الشرك به: _فقاتلوا_ أيها المؤمنون، _أولياء الشيطان_، وهم الذين يتولونه ويطيعون أمره في خلاف طاعة الله والتكذيب به وينصرونه، وقوله: _إن كيد الشيطان كان ضعيفا_، يعني أن ما كاد به الشيطان المؤمنين من تحزيبه أولياءه من الكفار بالله والمؤمنين به على رسوله ضعيف فلا تهابوهم لأنهم حزبه وأنصاره، وهم أهل وهنٍ وضعف. ويوضح أن كيد الشيطان مذكور في الآية مقابلا لكيد الله تعالى فكان ضعيفاً بالنسبة لله، ويتأكد ذلك من قوله عز وجل: _وإما ينزغنَّك من الشيطان نزغٌ فاستعذ بالله إنه سميعٌ عليم_، وقال سبحانه: _إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا_ فالشيطان عدو لنا، ومن عداوته قيامه بالوسوسة للمصلي كي يذهب خشوعُه ويلبس عليه صلاتَه، فينبغي للعبد أن يثبت ويصبر ولا يضجر ويستعيذ بالخالق سبحانه، وكذلك فإن الكيد الذي يتعاطاه النساء وغيرهن مستفاد من الشيطان ووسوسته وتسويله، فلا يتصور حينئذ أن كيدهن أعظم من كيد الشيطان كما لا يجوز تعميم المعنى السلبي الخاص للكيد على النساء لأنهن لم يكنَّ مثلاً ولا قدوة لغيرهن.