تطرح وضعية أقدم حزب معارض في الجزائر، حزب جبهة القوى الاشتراكية، للنقاش، اليوم، أبجديات العمل السياسي وأهدافه، حيث كثر الحديث عن سر خطاب المهادنة الذي تبناه هذا الحزب في المدة الأخيرة وتخليه عن خطاب المعارضة. والحقيقة أن المعارضة لا تعتبر برنامجا أو خطا سياسيا إلا في بلادنا. أما عند غيرنا، فالحزب الذي لا يحكم ولا يشارك في تسيير شؤون البلاد، هو في المعارضة آليا. وميزة الساحة السياسية في بلادنا، أنها لم تخرج بعد من منطق الأحادية الحزبية، رغم انتقال الحركات الناشطة في السرية في الثمانينيات من حالة الخارجين عن القانون إلى أحزاب معتمدة قانونيا ويحق لها النشاط السياسي العلني. ولأن هذه الأحزاب الناشئة لم تقو على الوصول إلى السلطة يوما وفقدت الأمل في تحقيق ذلك مع مرور الوقت، فهي ظلت تتأرجح بين التقارب مع السلطة القائمة بغية تحقيق جزء من مطالبها، والمعارضة الراديكالية. وبالنسبة للأفافاس الذي احتفل، أمس، بالذكرى الخمسين لتأسيسه، قضى أغلب فترات مرحلة التعددية السياسية في المعارضة الراديكالية، باستثناء فترة قصيرة كان فيها ممثلا في حكومة مولود حمروش عن طريق وزير الاقتصاد آنذاك حسين بن يسعد، فارتبط رمز هذا الحزب عند جيل الثمانينيات والتسعينيات بفئات المجتمع المحرومة والباحثة عن الحقيقة، كفئة المفقودين في سنوات الارهاب والنقابيين الذين خرجوا عن طاعة الاتحاد العام للعمال الجزائريين المحسوب أكثر على الأحزاب الحاكمة، وكذا إطارات الدولة المقصين من المشاركة في تسيير شؤون البلاد... وارتبط رمز الأفافاس، طيلة هذه السنوات، بوجوه سياسية من الصعب أن يستغني عنها دون أن يخلط الأوراق على من يتبع أو يتعاطف مع هذا الحزب في المراحل الصعبة التي عاشتها الجزائر. لكن المعادلة تختلف بالنسبة للزعيم الروحي للحزب، حسين آيت أحمد، الذي لا ينظر إلى حزبه كما ينظر إليه المناضلون أو المتعاطفون أو المحللون السياسيون، بل ينظر إليه انطلاقا من الظروف السياسية التي تأسس فيها الأفافاس وكل من ناضلوا فيه بعد ذلك جاؤوا من آفاق سياسية مختلفة، من اليسار المتطرف إلى الأفالانيين الإصلاحيين وحتى الإسلاميين المعتدلين... فهم إذن لا يلزمون الأفافاس بقدر ما يلزمون انتماءهم السياسي الأصلي. لكن آيت أحمد، اليوم، انسحب من الساحة السياسية والمناضلون الأوائل لا ينتظرون إلا أن يعاد لهم الاعتبار جراء الاقصاء والتهميش الذي فرض عليهم بعد أحداث سنة 1963. فهل تنتهي مهمة الأفافاس بنهاية جيل المؤسسين، وفي ظل عجزه عن استيعاب الجيل الجديد من السياسيين؟ الإجابة عن هذا التساؤل بيد السلطة الحاكمة، لأنها وحدها القادرة على توفير شروط المنافسة السياسية الطبيعية في بلادنا. وإذا توفرت هذه الشروط، سيكون الأفافاس قادرا على تمثيل القطب التقدمي أو التحرري في مواجهة القطب المحافظ الممثل منذ فترة طويلة في الأفالان الذي انشق عنه الأفافاس. أما إذا استمرت السلطة في غلق الساحة السياسية، فالتغيير حتما سيأتي من خارج النظام القائم يوما، وحينها يكون مصير الأفافاس هو مصير الأفالان، أي المتحف في أحسن الأحوال.