يقول ابن القيم رحمه اللّه في كتابه ”بدائع الفوائد” تعليقًا على بعض فوائد سورة النّاس وهو يشرح معنى الوَسواس الخنّاس: وأمّا الخنّاس فهو فعٌال من خنس يَخْنَس إذا تَوارَى واختفى، ومنه قول أبي هريرة: لقيني النّبيّ في بعض طرق المدينة وأنا جُنُب فانخنست منه؛ وحقيقة اللّفظ اختفاء بعد ظهور، فليست لمجرد الاختفاء، ولهذا وصفت بها الكواكب في قوله تعالى: {فلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ} التّكوير:15، قال قتادة: هي النُّجوم تبدو باللّيل وتَخْنَس بالنّهار فتختفي ولا تُرى، وكذلك قال عليّ رضي اللّه عنه: هي الكواكب تخنس بالنّهار فلا تُرى؛ وقالت طائفة: الخنس هي الرّاجعة الّتي ترجع كلّ ليلة إلى جهة المَشرِق وهي السّبعة السّيَّارة، قالوا: وأصل الخنوس الرّجوع إلى وراء. والخَنّاس مأخوذٌ من هذين المعنيين، فهو من الاختفاء والرّجوع والتّأخّر، فإنّ العبد إذا غفل عن ذِكْرِ اللّه جَثَم على قلبه الشّيطان وانبسط عليه وبذر فيه أنواع الوَساوس الّتي هي أصل الذُّنوب كلّها، فإذا ذَكَرَ العبد ربَّهُ واستعاذ به انْخَنَسَ وانْقَبَضَ كما ينخنس الشّيء ليتوارى، وذلك الانخناس والانقباض هو أيضًا تجمّع ورجوع وتأخّر عن القلب إلى خارج فهو تأخّر ورجوع معه اختفاء، وخنس وانخنس يدل على الأمرين معًا.