افتتح وزير الثقافة والفنون زهير بللو رفقة نظيره الإيطالي أليساندرو جيولي، أول أمس، بقصر الثقافة، أشغال يوم دراسي حول تثمين التراث الثقافي؛ حيث تم عرض عدد من مشاريع التعاون بين البلدين في مجال حفظ التراث الثقافي الجزائري. أكد بللو في كلمته الترحيبية خلال مراسم الافتتاح، أن هذا اللقاء يشكل فرصة لتبادل الخبرات والمعارف بين الخبراء والباحثين من البلدين، بما يساعد على تطوير التعاون فيما بينهما في مجالات الحفاظ على التراث الثقافي، والتعريف به على الصعيدين المحلي والدولي، مشيرا إلى أن اللقاء يعكس الإرادة المشتركة في الحفاظ على هذه الكنوز الثقافية، التي تمثل كما قال "جزءا هاما من ذاكرتنا البشرية، التي تعبّر عن عظمة وريادة بلدينا عالميّاً في مجال الموروث الأثري والتاريخي؛ فكلا بلدينا يعد متاحف عالمية مفتوحة على العالم". وأضاف المتحدث في السياق ذاته، أن "الجزائر تتطلع إلى تعميق العلاقات الثقافية التي تجمع بين الجزائروإيطاليا؛ تكريسا للمستوى العالي والممتاز الذي تعرفه العلاقة بين البلدين الصديقين، وحرص وعزيمة قيادتي البلدين؛ من أجل المضيّ بالتعاون والشراكة بيننا، إلى آفاق ومستويات أرحب، وأكثر فعالية"، مستحضرا بعض المواقع الأثرية التي تعود إلى العهد الروماني في الجزائر، وأهمية العمل على تفعيل سبل التعاون للحفاظ عليها، والترويج لها كجزء من التراث العالمي. مشاريع تعاون ضمن اتفاقيات مبرمة تعرّض الوزير لجملة مشاريع التعاون الساري إنجازها بين المؤسسات الجزائرية ونظيراتها الإيطالية؛ تطبيقا لمختلف الاتفاقيات المبرمة بين البلدين في مختلف المجالات؛ على غرار الاتفاقية المبرمة بين المدرسة الوطنية العليا لحفظ وترميم الممتلكات الثقافية، والمعهد المركزي للترميم في روما، الموقّعة في نوفمبر 2021. وأكد الوزير أنه يتم العمل، أيضا، على إعادة تحيين اتفاقية التعاون العلمي والبحثي في مجال الآثار الموقّعة بين المركز الوطني للبحث في علم الآثار، وجامعة تورينتو الإيطالية، موضحا أن هذا المشروع يشكل عنصرا هاما في التعاون العلمي بين البلدين. وتناول بللو في كلمته أيضا، مختلف آفاق التعاون الممكنة بين البلدين في المجال السينمائي، والمسرحي، والموسيقي، مؤكدا أن البلدين يعملان على تجسيد مشروع مركز توثيق وتصنيف الممتلكات الثقافية في الجزائر بالشراكة مع المعهد الإيطالي للتوثيق والتصنيف. وقال إن المشروع من بين المشاريع الهامة والهادفة إلى الحفاظ على التراث الثقافي، وحمايته، وتثمينه، وتعزيز قيمته العالمية. إيطاليا تَعُدّ الجزائر شريكاً استراتيجياً من جهته، ثمّن وزير الثقافة الإيطالي هذا اللقاء قائلا: "الجزائر بصفتها شريكا استراتيجيا لإيطاليا، فإن تعاوننا مهم لتثمين التراث الثقافي الجزائري"، مستعرضا المشهد الثقافي العام في الجزائر من خلال تنوعه، وقيمه المتعددة. كما رأى جيولي أن الرؤية الاستراتيجية لتثمين التراث، تنبع من كون الثقافة جزءاً من المخطط الاقتصادي لأي بلد. وهي محرك للتنمية المستدامة، وقادرة على توفير فرص تنموية واعدة بالنظر إلى حيوتها، مشيرا بالمناسبة، إلى إمكانيات الجزائر في تطوير السياحة الثقافية بما فيها استغلال وتثمين المواقع الأثرية الرومانية. وانطلقت، بعدها، المحاضرات العلمية. وكانت أولها بعنوان "حماية وصون التراث الثقافي للفترة الرومانية" مع الدكتورة آمال سلطاني مديرة المركز الوطني للبحث في علم الآثار، التي عرضت بالصور، أهم المواقع الرومانيةبالجزائر. وقالت إنها هي الثانية من حيث الحجم والتنوع بعد إيطاليا، متحدثة عن الأحياء الرومانية والمدن المنتشرة في عدة مناطق؛ منها تبسة، وسوق أهراس، وقالمة، وعنابة، وشرشال، وتيمقاد، وجميلة وغيرها، ومقدمة خريطة تفصيلية لكل تلك المواقع. ثم تناولت جانبا من التاريخ القديم المشترك بين البلدين، وكيف أن روما تركت صبغتها في الحياة العامة حينها، وأسست مدنا كبيرة، منها روسيكادا، وسطيف، مع شبكة من الطرق والمستعمرات امتدت ل 4 قرون. ومن جانبه، تناول السيد لويجي لروكا رئيس مصلحة حماية التراث الثقافي بوزارة الثقافة الإيطالية، موضوع تثمين التراث الثقافي في إيطالياوالجزائر، مستعرضا بعض عمليات الترميم في بلاده، منها المسرح الروماني، مع تقديم التقنيات المستعملة، وتجربة إيطاليا الرائدة عالميا في هذا المجال. وقدّمت السيدة ألفونسينا رسو رئيس مصلحة تثمين التراث الثقافي بوزارة الثقافة الإيطالية، أهمية التراث والمعالم الرومانية في الجزائر. أما عزّ الدين عنتري مدير المتحف الوطني للآثار القديمة والفنون الإسلامية، فأكد على أن الجزائر مهتمة بهذا التراث، وبكل التراث العالمي، مستعرضا تقنيات العرض والحفظ، وعمليات التسويق والمعارض الدائمة والمؤقتة والمتنقلة مع الصيانة والترميم، عارضا ترميم لوحة من القرن 17، وتمثال نبتون، وتهيئة الحديقة الأثرية بمتحف شرشال، وكذا مجالات التعاون مع إيطاليا. بدوره، تحدّث البروفيسور حمزة الشريف مدير المدرسة الوطنية العليا لحفظ وترميم الممتلكات الثقافية، عن التعاون مع المعهد المركزي للترميم بروما، ضمن اتفاقية أُبرمت سنة 2015، وامتدت حتى 2018 عبر 3 دفعات، خصت التكوين البيداغوجي في ترميم الفسيفساء والمعادن والفخار. كما تنقّل خبراء إيطاليون إلى المدرسة سنة 2018، واقترحوا تأسيس مخابر ترميم، لتنتقل المدرسة من دار الصوف إلى مقرها الحالي في تيبازة. ثم جددت الاتفاقية في 2021 مع زيارة الرئيس الإيطالي للجزائر. وتوالت المشاريع، منها ترميم الحجارة الأثرية. وتدخّل، أيضا، الدكتور كمال مداد من المركز الوطني للبحث في علم الآثار، للحديث عن الشراكة مع جامعة ترانتو الإيطالية، مقدما حوصلة المشروع العلمي المشترك الخاص بالخريطة الأثرية للشرق الجزائري الذي انطلق في 2003. ويتضمن إعداد ورسم خرائط لتحديد الأولويات في مجال تهيئة التراث. وقد تم إحصاء 445 موقع أثري منذ ما قبل التاريخ، وحتى الفترة الإسلامية. ومن ذلك إحصاء 225 صيغة فردية، و20 تجمعا سكنيا، و590 معصرة في مساحة (ممسوحة) 1338 كم2.