تحليل مضمون الخطاب الموجه للمرأة وتفكيك مفرداته والاجتهاد في تأويله، مسألة غاية في الأهمية عندما تهدف إلى الكشف عن طبيعة الحمولة وما تتضمنه من معاني وأبعاد تعكس طبيعة البنية الفكرية والاجتماعية للخطاب، ومن هذا المنطلق يصبح من الأهمية بمكان إجراء قراءات لذلك الخطاب، ولاسيما ذلك النوع الذي يفتعل التصدي للدفاع عن المرأة بقوله: “كيف نظلم المرأة أو ننتقص من مكانتها وهي الأم والأخت والزوجة”. للوهلة الأولى يبدو للبعض أن الخطاب يعبر عن معاني الحماية والتقدير والدفاع عن المرأة، ولكن مع بعض التأمل نجد أن الخطاب في بعده الأعمق ومن خلال اختراق سطح تجلياته الظاهرة، نجده يقوم على جعل الرجل ذاته معيارا ومرجعا، فهو لا يظلم المرأة ويدافع عنها من منطلق كونها أخته وأمه وزوجته، أي بسبب تلك الصلة التي تربطه بها، وليس لأنها تحمل كينونة وجوهرا مستقلا قائما على ذات وموضوع مستقلين وليس لأنها إنسانا مكرما في ذاته، ولو كان الأمر كذلك، أي لو كان مثل هذا الخطاب واقعا خارج نطاق علاقات الهيمنة الذكورية، لكان قد انتشر خطاب مماثل يؤكد تقدير واحترام المرأة للرجل لكونه أبا وأخا وزوجا. إن هذا النوع من الخطاب يصادفنا في مختلف الفعاليات والنشاطات والمناسبات الفكرية والثقافية، كما تلتقي عنده مختلف الاتجاهات عموما، الأمر الذي يؤكد بأنه يعكس منهجية سائدة في مقاربة موضوع المرأة، وهي أقرب إلى المسلمة التي تجعل من النموذج الذكوري وحدة أساسية للمعيار، والمرأة ملحق ذو صلة، وهي تستحق التقدير من منطلق تلك الصلة. أما في الواقع والحقيقة، فإن هذه المعاني تجعل من ذلك الخطاب مجرد بيان للفحولة، وتعبير عن قوامة وهمية تتضمن الكثير من المغالطات، أو يمكن القول بأنه أقرب إلى الاستراتيجية والتكتيك القائم على التبسيط والمستخدم في الحملات الانتخابية من أجل كسب الأصوات النسائية أيام الاستحقاقات، ولكنه ينتهي في الواقع إلى تكريس نوع من الوصاية التي لا مكان لها في الدين أو الشرع، وهي تؤول في النهاية إلى نوع من الهندسة الاجتماعية، التي تكرّس نمطا من العلاقات على مستوى الأسرة والمجتمع، هو أبعد ما يكون عن مبادئ الدين ومقاصد شريعته وأيضا عن الفلسفة التي قامت عليها منظومة حقوق الإنسان. كما أن هذا النوع من الخطاب يعبّر أيضا عن علاقة سلطة وتراتب ومركزية تستلزم تكريس الهيمنة الذكورية، في حين أن العلاقة بين الرجل والمرأة خالية من أي معيارية أو مرجعية ذكورية تكرس أي نوع من الوصاية، حيث أن الدين القائم على التوحيد، يثبت من ناحية العقيدة أن مصدر الخطاب القرآني وهو الله ليس بذكر أو أنثى ومن ثم، فإن الإله لا يحكم من منطلق أي مفاضلة جنسية أو عرقية أو اثنية ولا من منطلق التحيز أو التمييز الجنسي ولا بتأثير الأعراف والتقاليد ولا في إطار الثقافات السائدة ولا بدافع علاقات الهيمنة التاريخية ولكن من منطلق الحق والعدل اللذان اتصف بهما كخالق لهذا الكون وكرب للذكر والأنثى. وفي ظل عقيدة التوحيد إذن، يمكن للمرأة أن تنسف كل عرف مفارق للوحي، وأن ترفع كل وصاية متناقضة مع تعاليم محررها من كل الوصايات، الإله الذي أكد لها بأن علاقتها بالرجل هي علاقة ولاية إيمانية متبادلة. “والمؤمنون والمؤمنات، بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر” التوبة 71. أي أن المساواة هي الأصل والولاية هنا تعني التعاون والمودة والنصرة، ويؤكد هذا المعنى أيضا مبدأ الاستخلاف. “من عمل صالحا منكم من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة” النحل 79 كما يلغي مبدأ الزوجية الذي خلق الله عز وجل بموجبه الكون أي نوع من المركزية أو التبعية “وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى” النجم 45. فالمرأة والرجل وفقا لهذا المبدأ وبما يحملانه من قيم ذكورية وأنثوية يتناغمان ويتلابسان ويوازن كلاهما الآخر على مستوى الرؤية والقرار وفي الفضاء الخاص والعام وأي غياب لأحدهما عن الآخر حضورا ومشاركة لاسيما على مستوى دوائر الفعل والقرار تمثل إفقارا للإنسانية وإخلالا بالتوازن، على اعتبار أن مبدأ المساواة والاختلاف معا يتطلب تواجدهما معا في كل مكان أمرا حتميا، وذلك بعيدا عن أي تبعية أو مرجعية أو مركزية يمثلها أحدهما على الآخر بحيث يجعل منه مجرد تابع غير مستقل بذاته وكينونته. ونختم المقال بشيء من الاستفزاز غير المقصود، بالإشارة إلى فكرة عميقة هي خلاصة رؤية فلسفية لصاحب الفتوحات محي الدين ابن عربي، يؤكد فيها عبر فصل كامل من الفصوص المكية حول مفهوم الأنوثة، بأن الأنوثة هي الأصل وينظم في ذلك قصيدة نذكر منها بيتين: إنا إناث لما فينا يولده فلنحمد الله ما في الكون من رجل إن الرجال الذين العرف عينهم هم الإناث وهم نفسي وهم أملي