توصلت شركة إيني الإيطالية مع غريمتها ستاتويل النرويجية إلى اتفاق يقضي بمراجعة سعر الغاز الذي تشتري به الأولى من الثانية، بعدما وصل الخلاف بينهما إلى التحكيم الدولي. ويأتي هذا الاتفاق ليضعف من موقف الجزائر وباقي الدول المصدرة للغاز، في معركتها للحفاظ على مستويات جيدة لأسعار الغاز، بعد أن أصبحت الدول المستوردة تهدد باللجوء إلى باقي أنواع الغاز المتاحة في الأسواق الدولية بأسعار أقل ارتفاعا. وقال “باولو سكاروني” المدير العام لشركة إيني عقب الاتفاق في تصريح نقلته “نيويرك تايمز” أمس، إن الأسعار ستكون أخفض بكثير من الحالية، ويدخل الاتفاق الحالي بين إيني وستاتويل في إطار سلسة اتفاقات أخرى أبرمتها الشركة الإيطالية مع مزوديها الرئيسيين بالغاز، وهم غاز بروم الروسية وسوناطراك الجزائرية. وفي حين يباع الغاز في الولاياتالمتحدة بسعر السوق، كان سعر الغاز دائما مربوطا بسعر البترول في أوروبا، وهو نظام تم استحداثه منذ عشرات السنوات، بعد أن كان الغاز مرشحا ليكون بديلا عن البترول، لكن هذا الرابط بين سعر الغاز والبترول أُضعف في السنوات الأخيرة بفعل توفر كميات كبيرة من الغاز تباع في الأسواق الحرة. وقد أدى ارتباط سعر الغاز بالبترول في أوروبا إلى أن يكون سعره مرتفعا مرتين عن باقي المناطق، لأن معظم الدول الأوربية مرتبطة بعقود طويلة الأجل تصل لأكثر من 10 سنوات مع الدول المصدرة. فمثلا العقد الموقع بين ستاتويل وإيني يرجع إلى 1998، وكان سعر البترول حينها يساوي 13 دولارا للبرميل، وهو يعادل اليوم 100 دولار للبرميل، ما يجعل أسعار الغاز المرتبطة مرتفعة جدا، وتقدر إيني خسائرها في السنة الماضية فقط بنحو 905 مليون دولار. وتكون سوناطراك الجزائرية التي تضمن تزويد السوق الإيطالية بكميات معتبرة مطالبة في السنوات القادمة بتنازلات جديدة لخفض أسعار الغاز، خاصة أنها تجنبت متاعب المثول مجددا أمام التحكيم الدولي السنة الماضية، بعد أن توصلت إلى اتفاق مع إيني الإيطالية يقضي بمراجعة الأسعار المطبقة على صادراتها من الغاز بعد انخفاض أسعاره. وإلى جانب إيني، توجد شركات أخرى مثل “إنيل” و “إيديسون” قلصت هي الأخرى من الكميات التي تستوردها، ليبلغ حجم التخفيضات في الاستيراد من الجزائر حوالي 10 ملايير متر مكعب، ما يعادل تقريبا نصف ما تم استيراد في 2012، و13% من الاستهلاك الداخلي في إيطاليا التي استوردت السنة الماضية 70 مليار متر مكعب، منها 20,5 مليار متر مكعب من الجزائر. وتعاني شركات الغاز التابع للقطاع العام في فرنسا وألمانيا وباقي الدول المستوردة للغاز من خسائر بمئات الملايين من الدولارات، خاصة بعد ظهور طفرة الغاز الصخري التي خفضت بشكل كبير من أسعار الغاز، ودفعت بالعديد من التحليلات إلى توقع تحرير أسعار الغاز من الارتباط بأسعار البترول. ويأتي في مقدمة المدافعين عن فك ارتباط أسعار الغاز بالبترول، شركة غاز فرنسا التي تعتبر أن مراجعة سياسة العقود طويلة الأجل في تموين أوروبا بالغاز يعد ضرورة ملحة في الفترة القادمة للإبقاء على تنافسية الغاز كأحد المصادر الهامة للتموين بالطاقة في القارة العجوز. ومعلوم أن الجزائر ترفض بقوة أي محاولة لربط أسعار الغاز بالعرض والطلب حتى تتغير أسعاره يوميا مثل البترول، ويباع فيما يعرف بأسواق “السبوت” أي بعقود قصيرة الأجل، وتصر في المقابل على العقود طويلة الأجل حتى تحتفظ الأسعار بالثبات لمدد طويلة، إلا أن قطر تناسبها جدا العقود قصيرة الأجل لأنها تبيع الغاز المميع عبر الناقلات العملاقة، أما الجزائر وروسيا فليس من مصلحتها ذلك، وعليها أن تدافع على إبقاء العقود طويلة الأجل قدر المستطاع.