جاء رمضان ومضى، وأتى العيد وانقضى، وهذه سُنّة الله في خلقه، لكلّ شيء إقبال وإدبار، وبداية ونهاية وحياة وموت، لا ندري مَن هو المقبول فنُهَنِّيه ومَن هو المحروم فنُعَزِّيه، وكان السّلف الصّالح يجتهدون في إكمال العمل وإتمامه وإتقانه ثمّ يهتمون بالقبول ويخافون من ردّه. انقضى رمضان، فبين أيديكم مواسم تتكرّر.. فالصّلوات الخمس من أجلِّ الأعمال، وأوّل ما يُحاسب عليها العبد. ولئن انتهى صيام رمضان، فهناك صيام النّوافل كالست من شوال، والإثنين والخميس، والأيّام البيض وعاشوراء وعرفة وغيرها. ولئن انتهى قيام رمضان، فقيام اللّيل مشروع في كلّ ليلة: ”كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ” الذّاريات17. ولئن انتهت صدقة أو زكاة الفطر، فهناك الزّكاة المفروضة، وهناك أبواب للصّدقة والتطوّع وغيرها. ومع انتهاء شهر رمضان الفضيل، لابدّ للمؤمن من وقفات، أبرزها: وقفة محاسبة، لابدّ للمسلم أن يخاف الله تعالى ويقف مع نفسه بعد هذا الشّهر الكريم ليحاسبها، ويسأل نفسه: هل خرجتُ من هذا الشّهر الكريم بوِسام التّقوى؟ وهل عودتُ نفسي على الصّبر والمصابرة، ومجاهدة النّفس على فعل الطّاعة وترك المعصية ابتغاء رضوان الله وغير ذلك. اعبد ربَّك حتّى يأتيك اليقين، إذ يجب على المسلم الاستمرار على طاعة الله عزّ وجلّ، ثابتًا على شرعه، مستقيمًا على دينه، ويستمرّ على الإتيان بالأعمال الصّالحة في كلّ وقت وزمان، فإن لم يستطع العمل بالنّوافل فلا يجوز له أبدًا أن يترك الواجبات ويضيّعها كالصّلوات الخمس في أوقاتها ومع الجماعة وغيرها. وإيّاك أن تنكث توبتك وتخلف عهدك مع الله تعالى، وتهدم بناء التّقوى الّذي بنيته بلبنات الطّاعة في هذا الشّهر الكريم بمعول المعصية والذّنب، وإيّاك أن تستبدل تلاوة القرآن الكريم وسماعه بسماع الغناء، وإيّاك وهجر القرآن بعد أن جعلته صاحبًا لك في هذا الشّهر العظيم، وإيّاك ونسيان ربّك بعد أن فتح لك أبواب رحمته في شهر رمضان. علامة القبول، فمن علامة قبول الطّاعة، الطّاعة بعدها، ومن علامة ردّها، المعصية والإعراض بعدها، قال الحسن البصرى: ”إنّ من جزاء الحسنة الحسنة بعدها، ومن عقوبة السّيِّئة السّيِّئةُ بعدها، فإذا قبل الله العبد فإنّه يوفّقه إلى الطّاعة، ويصرفه عن المعصية، وقد قال الحسن: يا ابن آدم إن لم تكن فى زيادة فأنتَ فى نقصان”. ومن علامات القبول أيضًا أن يتخلّص القلب من أمراضه وأدرانه فيعود إلى حبّ الله تعالى وتقديم مرضاته على مرضاة غيره، وإيثار أوامره على أوامر مَن سواه، وأن يحبّ المرء لا يُحبّه إلّا لله، وأن يترك الحسد والبغضاء والكراهية، وأن يوقن أنّ الأمور كلّها بيد الله تعالى فيطمئن ويرضى، ويوقن أنّ ما أخطأه لم يكن ليُصيبه وما أصابه لم يكن ليُخطئه، وبالجملة يرضى بالله وبقضائه ويحسن الظنّ بربّه. وهكذا يجب أن يكون العبد، مستمرٌ على طاعة الله، ثابت على شرعه، مستقيم على دينه، قال الله تعالى: ”فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَك..” هود:112، وقال تعالى:”... فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ..” فصلت: 6.