لقد كان شهر رمضان ميدانا تروضت فيه النفوس على الفضيلة، وترفعت عن الرذيلة، لكن المحزن أن يوفق بعض العباد لعمل الطاعات، والتزود من الخيرات حتى إذا انتهى الموسم نقضوا ما أبرموا، وذلك والله خطأ فادح بكل المقاييس. * قيل لبشر - رحمه الله - إن قوما يتعبدون ويجتهدون في رمضان، فقال : بئس القوم لا يعرفون لله حقا إلا في شهر رمضان، إن الصالح الذي يتعبد ويجتهد السنة كلها . وسئل الشلبي -رحمه الله- أيما أفضل رجب أو شعبان؟ فقال: كن ربانيا ولا تكن شعبانيا، كان النبي صلى الله عليه وسلم عمله ديمة، وسئلت عائشة رضي الله عنها هل كان يخص يوما من الأيام ؟ فقالت: لا، كان عمله ديمة. وقالت: كان النبي، صلى الله عليه وسلم، لا يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة . ليعلم أولئك أن استدامة العبد على النهج المستقيم، والمداومة على الطاعة من أعظم البراهين على القبول قال تعالى: "واعبد ربك حتى يأتيك اليقين" / الحجر: 99. فيجب أن تستمر النفوس على نهج الهدى والرشاد كما كانت في رمضان، فنهج الهدى لا يتحدد بزمان، وعبادة الرب وطاعته يجب أن لا تكون قاصرة على رمضان . قال الحسن البصري رحمه الله - : " إن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلا دون الموت " ، ثم قرأ : " واعبد ربك حتى يأتيك اليقين " الحجر : 99 . فإن انقضى رمضان فبين أيديكم مواسم تتكرر فالصلوات الخمس من أجل الأعمال، وأول ما يحاسب عليها العبد، يقف فيها العبد بين يدي ربه مخبتا متضرعا. ولئن انتهى صيام رمضان فهناك صيام النوافل كالست من شوال، والإثنين والخميس، والأيام البيض وعاشوراء وعرفة وغيرها. ولئن انتهى قيام رمضان فقيام الليل مشروع في كل ليلة : " كانوا قليلا من الليل ما يهجعون " / الذاريات : 17 . ولئن انتهت صدقة أو زكاة الفطر فهناك الزكاة المفروضة، وهناك أبواب للصدقة والتطوع والجهاد كثيرا . ولتعلم يا أخي المسلم أن من صفات عباد الله المداومة على الأعمال الصالحة " الذين هم على صلاتهم دائمون " / المعارج : 23 . و " والذين هم على صلواتهم يحافظون " / المؤمنون : 9 .