وسط انحياز أمريكي غربي للعدوان الإسرائيلي على غزة، وموقف عربي ”باهت” متخفي وراء المبادرة المصرية التي رفضتها جميع الفصائل الفلسطينية، بل وأحيانا متآمر ومتصهين لما يحدث للفلسطينيين في غزة، يظهر موقف دول أمريكا اللاتينية أكثر تقدما وتشديدا في إدانة إسرائيل من المواقف العربية، خاصة بعد استدعاء عدة دول لاتينية لسفرائها من إسرائيل وهو ما لم تفعله مصر والأردن. فقبل عقود كانت فلسطين القضية الوحيدة التي تجمع العرب وتوحدهم رغم الخلافات بين حكامهم، لكن هذه المرة لم تعد دماء غزة توحد العرب، بل صار فيهم من يشارك في خنق الشعب الفلسطيني عبر غلق معبر رفح وهدم الأنفاق التي تعد بمثابة شريان الحياة لسكان القطاع، وأصبح متداولا اليوم مصطلح ”العرب المتصهينون” بعدما كان متداولا في زمن اتفاقيات أوسلو ”عرابو المشاريع الأمريكية”. والمفارقة أن دول أمريكا اللاتينية، البعيدون عنا جغرافيا ولغويا ودينيا، توحدهم جرائم إسرائيل في غزة، ويصنعون لأنفسهم موقفا سياسيا متميزا ومنفردا في العالم، رغم أن تل أبيب وصفتهم بالأقزام دبلوماسيا، حيث قال ريجينالدو ناصر من قسم السياسة في جامعة ساو باولو البابوية في البرازيل متحدثا لوكالة فرانس برس: ”لا أذكر أي وضع مماثل وقفت فيه جميع دول المنطقة كتلة واحدة تقريبا في رد فعلها”. فدول الميركوسور المتمثلة في البرازيل والأرجنتين وفنزويلا وبوليفيا والأوروغواي والبارغواي قررت جميعا إلغاء اتفاقية التعاون الاقتصادي مع إسرائيل، كما ألغت اتفاقيات عسكرية تقدر بمليارات الدولارات، وهو ما سيزيد من إرهاق الاقتصاد العبري الذي خسر بسبب المقاطعة الأوروبية لمنتجات المستوطنات وتمييزها عن بقية المنتجات الأخرى نحو 8 مليارات دولار، منذ بداية السنة، خاصة وأن الاتحاد الأوروبي يستوعب 32 بالمئة من الصادرات الإسرائيلية. ولم تكتف دول أمريكا الجنوبية بالشجب والإدانة، كما تفعل معظم دول العربية، بل تعدى الأمر إلى استعمال مختلف أوراق الضغط لديها لوقف العدوان عليها، حيث صنفت بوليفيا تل أبيب كدولة ”إرهابية”، كما استدعت كل من البرازيل والبيرو والإكوادور وتشيلي والسلفادور سفراءها في إسرائيل للتشاور، أما كوستاريكا والأرجنتين اللتان تضمان أكبر مجموعة يهودية في المنطقة، فقامتا باستدعاء سفيرتي إسرائيل الى وزارة الخارجية، كما طالب رئيس أوروغواي خوسيه موخيكا ب”انسحاب فوري للقوات” الإسرائيلية من غزة، معلنا أنه يدرس استدعاء ممثله في تل أبيب، فيما أعلن الرئيس الفنزويلي عن إنشاء مركز إيواء لاستقبال الأطفال الفلسطينيين المصابين أو اليتامى جراء العدوان الإسرائيلي. فإن كان موقف دول أمريكا اللاتينية باستثناء كولومبيا أكثر جرأة من بعض الدول العربية، فهذا يعكس مدى استقلالية قرار دول أمريكا اللاتينية عن واشنطن، فيما لازال القرار العربي مرتهنا.