مداشر التماس الحدودي تتموّن من السلع التونسية تقلّصت العمليات التجارية لتوزيع المواد الغذائية عبر بلديات الشريط الحدودي بولاية الطارف بفعل إجراءات تشديد مكافحة التهريب الحدودي، وأضحى سكان مداشر الحزام الحدودي أكثر تضررا بسبب انقطاع تموينهم الغذائي ولجوئهم إلى بعض السلع التونسية المشكوك في سلامتها الصحية. طيلة عشرية من الزمن ظل سكان ومنتخبي ولاية الطارف الحدودية يشكون قانون “الشعاع الجمركي” وتأثيره على النشاطات الاقتصادية والتجارية، ونكده على الحياة المعيشية اليومية لسكان هذه الجهة بجميع بلدياتها والمصنفة ك«رواق حدودي” تفرض عليها إجراءات قانون “الشعاع الجمركي”، الذي يرهن أي حركة أو تنقل للكثير من السلع والبضائع إلى تصاريح جمركية بطريقة عكسية قبل نقلها أو توزيعها. وفي كل مناسبة طالب السكان وجمعيات المجتمع المدني وكل النقابات المهنية والتنظيمات الاجتماعية والهيئات المنتخبة، وحتى الجهات الإدارية الرسمية، بتكييف هذا القانون وتخفيف إجراءاته أمام الأضرار التي لحقت بالمنطقة وسكانها. واستثمرت الحملات الدعائية الانتخابية، وخاصة لمنشطي العهدة الرئاسية الرابعة ووزارئها الموالين، في توزيع الوعود وسط سكان المنطقة بالاستجابة لمطالبهم في الآجال العاجلة، وتقليص مساحة المنطقة الجغرافية ل«الشعاع الجمركي” بحيز أقاليم بلديات التماس الحدودي دون غيرها من البلديات الداخلية، وتخفيف إجراءاتها التنفيذية مع مراعاة مصالح الجميع في المجالات التجارية والتنموية والاقتصادية والتموين اليومي للسكان بالمواد الغذائية والصيدلانية وغيرها من الحاجيات، التي لها علاقة بالمعيشة اليومية لسكان البلديات الحدودية. والانشغالات نفسها والمطالب تلقاها في عين المكان أكثر من 30 وزيرا من الطاقم الحكومي أثناء زيارتهم لولاية الطارف خلال العشرية الأخيرة، وكانت لهم الوعود نفسها التي ألقوا بها في سلال المهملات بمطار رابح بيطاط عند صعودهم الطائرة عائدين إلى العاصمة. ولأن الجميع أدار ظهره لانشغالات ومطالب سكان المنطقة وخان الوعود المتكررة في المناسبات الرسمية والانتخابية، فإن الأضرار تواصلت في حجز الممتلكات الخاصة وجرّ العشرات إلى العدالة، ولم تجد الفئات المتضررة في نهاية المطاف إلا خيار الاحتجاجات في قطع الطرقات، والتي تواصلت خاصة في سنتي 2011 و2012 من قِبل مربي الماشية والدواجن وتجار الجملة لموزعي المواد الغذائية والصيدلانية وفئة الفلاحين ومواطني الأرياف الحدودية، خاصة منتجي صوف الغنم وتسويقه للولايات المجاورة، وهي الاحتجاجات التي تصاعدت وكانت محل تقارير رسمية للجهات الإدارية والأمنية حركت الأجهزة الحكومية المركزية لتطويق هذا الغليان من خلال إيفاد بعض الوزراء للمنطقة لامتصاص غضب السكان بالوعود الجوفاء، وكانت الفرصة مواتية في إخمادها نهائيا مع إدارة وتنشيط الحملة الانتخابية لرئاسيات 2014، حيث ركز منشطوها لصالح العهدة الرابعة على تثمين انشغالات ومطالب السكان والوعد بالاستجابة لهذه المطالب خلال السنة الحالية 2014 على أبعد تقدير، فكانت الحكومة في الموعد المقرر وجاء بالعكس الذي يزيد في كوارث هذا الشعاع الجمركي. ومع مطلع الثلاثي الأول من السنة الحالية تفاجأ الجميع بقرارات حكومية جديدة تشدد من إجراءات مكافحة التهريب الحدودي وتوسيع وتنويع قائمة السلع والمواد الغذائية والأدوية والماشية وكل أنواع تغذيتها، بما في ذلك المياه المعدنية والمشروبات الغازية وعصير الفواكه، وحتى البصل والحبوب الجافة، وكلها مفروضة بالتصريح الجمركي في حركة تنقلها داخل جميع أرجاء إقليم الولاية ببلدياتها ال24 كرواق حدودي معني بالشعاع الجمركي. وكان هذا التشديد صدمة وخيبة أمل لدى سكان الولاية ومنتخبيها وحتى السلطات الإدارية الرسمية، وحذرت الهيئات ذاتها من عواقب هذا التشدد الإجرائي الذي سيضاعف من عزلة السكان عن التموين العام، وخاصة سكان البلديات الحدودية التي سيضطر سكانها إلى التموين بالمواد المهربة من تونس، كما كانت عليه عادة التموين خلال أزمة الثمانينيات من القرن الماضي. إجراءات التشديد لم تستثن حتى نقل المياه المعدنية والمشروبات الغازية والعصير والبصل والبقول الجافة وتغذية الأنعام وحليب الأطفال، وشملت كل المواد الغذائية دون استثناء بما فيها توزيع الأدوية، حيث إن الموزع مجبر أولا وقبل دخوله إقليم الولاية، باعتبارها شعاعا جمركيا، على الحصول على ترخيص نقل بضاعته من مصالح الجمارك بهذه الولاية قبل نقلها وتوزيعها، بمعنى أن الموزع القادم من الولايات المجاورة لا يستطيع دخول إقليم الولاية قبل أن يتصل بالمصالح الجمركية في القالة بأقصى الشرق وبوحجار بأقصى الجنوب للحصول على التصاريح الجمركية، وعكس ذلك مصيره الحجز في النقاط الأمنية المرورية المنتشرة بكثافة عبر شبكة الطرقات البلدية والولائية والوطنية. وحسب متابعة اتحاد صغار التجار بالطارف، فإن 70 بالمائة من الموزعين قاطعوا الساحة التجارية بإقليم الولاية، وأضحت السلع الموزعة بالجملة لا تفي بحاجيات سكان المراكز الحضرية ل10 بلديات متاخمة للحدود (العيون، أم الطبول، رمل السوق، عين العسل، بوقوس، الزيتونة، عين الكرمة، بوحجار، وادي الزيتون وحمام بني صالح)، في حين انقطعت أغلب المواد الغذائية عن سكان 60 دشرة ومشتة معزولة في التماس الحدودي لجأ سكانها للاستنجاد بالمواد الغذائية المهربة من تونس، وهي المشكوك في نوعيتها المضرة لصحة سكان المنطقة، وهو ما أكدته تقارير رؤساء البلديات الحدودية، وحذرت من مخاطر السلع التونسية المغشوشة، وخاصة زيوت المائدة، وبودرة الحليب، والسميد، وحليب الأطفال الرضع، ومواد الغسيل والتنظيف، وحتى الأدوية دون وصفات طبية. وبحسب تقارير منتخبي المجالس الشعبية للبلديات الحدودية، فإن مثل هذه الإجراءات المشددة على تهريب المواد الغذائية، والتي جوعت أكثر من 75 ألف نسمة من سكان أرياف العزلة على التماس الحدودي، لم تفلح في تخفيف حدة عمليات تهريب الوقود التي زاد التكالب عليها وتضاعف حجمها يوميا، وتوسعت عصاباتها ونشاطاتها في تهريب البنزين والمازوت بواسطة 8500 سيارة نفعية، حسب التقارير الرسمية لمصالح الدرك الوطني، والتي كشفت بأن هذه السيارات من تمويل قروض مؤسسات برامج تشغيل الشباب “أونساج” و«كناك” وبتواطؤ بعض أصحاب محطات توزيع الوقود. وتفيد شهادات بعض سكان المنطقة الحدودية المعزولة أن عصابات تهريب الوقود تستعمل مخازن أرضية في بيوتها الريفية الحدودية لتجميع احتياطات الوقود وإعداده نحو التهريب، وشككت تقارير رؤساء البلديات في وجود سياسة خفية تسمع بغضّ النظر عما يجري من تهريب الوقود لاعتبارات جوارية تضامنية، بفعل الوضع الملغم على الشريط الحدودي مع تونس. وتساءلت التقارير ذاتها عن جدوى تشديد إجراءات مكافحة التهريب التي نغّصت الحياة اليومية لسكان الشريط الحدودي وعزلهم عن توزيع المواد الغذائية وتعريضهم للجوع ومخاطر استهلاك السلع التونسية المشكوك في سلامتها الصحية. وحسب الأخبار التي تصلنا من البلديات الحدودية، فإن الكثير من المواد الغذائية، سيما السميد، زيت المائدة، حليب الأطفال، السكر، القهوة، الحبوب الجافة، مواد التنظيف، والأدوية دون وصفات طبية، بدأت تغزو آلاف بيوت العائلات في الحدود، خاصة بالمداشر والقرى والمشاتي المتاخمة للتماس الحدودي، وهي القادمة من مشاتي الضفة التونسية المقابلة، بحكم التبادل التجاري بين العائلات من الأسرة الواحدة في الضفتين، وفي هذه الحالة أضحت دلاء المازوت والبنزين للمقايضة بالمواد المطلوبة، والتي انقطع توزيعها التجاري من الجانب الجزائري بهذه المناطق المعزولة. ويفيد منتخبو البلديات الحدودية بأن الكثير من دكاكين المواد الغذائية أغلقت نهائيا بالمداشر والقرى الحدودية، وفي مراكز البلديات الحدودية ودوائرها تراجع مخزون الصيدليات من الأدوية، وأضحت عمليات نقل كل أنواع البضائع مغامرة في شبكة الطرقات. وخلاصة تقارير البلديات الحدودية والداخلية لهذه الولاية الحدودية بأن الكارثة تتوسع والسلطات المركزية تستمتع ب«الفرجة”، رغم الطابع الملغم للشريط الحدودي مع تونس وأوضاعها الأمنية ومخاطر تدفق السلاح من لييبا.