❊ إنجازات تاريخية على كافة الأصعدة ❊ التأكيد على أهمية تعزيز الجبهة الداخلية ودعم المقاربة التشاركية في تسيير شؤون البلاد ❊"استكمال مسار التقويم والتجديد الوطني برؤية جديدة واثقة في مقدرات البلاد تخلّد الجزائر غدا، سبعينية ثورتها المظفرة، في ظلّ تحوّلات كبيرة شملت المستويات السياسية، الاقتصادية والاجتماعية، المستلهمة من ثوابت بيان أوّل نوفمبر، الذي يعدّ قاعدة مرجعية لفلسفة الثورة التحريرية وأساس بناء الدولة الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار القيم الحضارية للشعب الجزائري. "المسلمون يحجون إلى مكة والمسيحيون إلى الفاتيكان والحركات التحررية إلى الجزائر"، هي مقولة للغيني اميلكار كابرال، أحد أبرز الثوّار الأفارقة الذين لخّصوا قوّة نضال الشعب الجزائري الذي ثار كالبركان المتوهّج بحممه التي كسرت شوكة أعتى قوّة استعمارية في العالم، والتي لم تتصوّر يوما أنّها ستخرج خائبة من أرض الثوّار ومتجرّعة مرارة الخذلان من كأس مكسورة الحواف، مازالت تترك آثارها البالغة في نفوس الذين مازالوا يحنون إلى جنّة الفردوس المفقودة. فالجزائر الثائرة قطعت العديد من الأشواط منذ الاستقلال، رغم المطبات التي اعترضت طريقها بسبب بعض الظروف السياسية والاقتصادية التي ميّزت مرحلة ما بعد الاستقلال، لكن في كلّ عثرة كانت الجزائر سرعان ما تهب معتدلة متوكئة على عصا "النصر" التي توارثتها عن أبطال أشداء ضحوا بالنفس والنفيس من أجل أن تبقى شامخة ومهيبة. كان يكفي لبيان أوّل نوفمبر، البسيط في ظاهره والعميق في باطنه، أن يحرّك مشاعر النخوة في نفوس أبطال ساهموا في إذكاء شرارة اندلاع أعظم حركة تحرّرية في التاريخ المعاصر، والتي تبناها الشعب الجزائري بكلّ فخر واعتزاز، واضعا "المصلحة الوطنية فوق كلّ الاعتبارات التافهة والمغلوطة لقضية الأشخاص والسمعة" ومؤكّدا بيقين أنّ "الكفاح سيكون طويلا لكن النصر محقّق". فثورة أوّل نوفمبر كانت آخر حلقات النضال الذي بادر به الشعب الجزائري منذ أن وطئت أقدام الاستعمار أرض الوطن سنة 1830 وشكّلت منعرجا حاسما في مجرى التاريخ، فمن أبرز الأسباب التي أدّت إلى اندلاع الثورة، تمادي آلة الحرب الفرنسية في ارتكاب الجرائم ضدّ الإنسانية، حيث كان لمجازر الثامن ماي 1945 أثر كبير في بلورة فكرة العمل المسلح والتفاف الشعب الجزائري حول حتمية التعامل مع القوة الاستعمارية بلغة السلاح. وقد ازداد هذا الوعي الوطني والإرادة النضالية لدى الشعب الجزائري بفضل تشكيل الأحزاب والجمعيات السياسية والثقافية والاجتماعية إلى غاية إنشاء المنظّمة الخاصة وبعدها اجتماع مجموعة ال 22 التاريخية يوم 23 جوان 1954 بأعالي العاصمة، لمناقشة مسألة إطلاق العمل المسلّح بعد فشل الحلول السياسية. وانبثق عن هذا الاجتماع قرار تكوين مجموعة ال6 التاريخية التي هندست يوم 23 أكتوبر 1954 لثورة أوّل نوفمبر الخالدة التي كانت رسالة إلى الرأي العام الدولي، أكّد من خلالها الشعب الجزائري أن ما يجري في الجزائر هي ثورة منظّمة وليست "حرب عصابات"، كما كانت تدّعيه الإدارة الفرنسية. وتمكّن الشعب الجزائري بعد كفاح شاق وتضحيات جسام من قهر أعتى قوّة استعمارية ولايزال منذ ذلك الحين يتحلى بنفس العزيمة وروح التضحية التي ورثها عن أسلافه من المجاهدين والشهداء في الدفاع عن وطنه والتصدي لكلّ المؤامرات والدسائس التي تستهدف أمنه واستقراره ووحدته. ومنذ التغيير الذي حقّقه الشعب الجزائري قبل خمس سنوات وزكى فيه السيد عبد المجيد تبون رئيسا للجمهورية لعهدة أولى فثانية في سبتمبر 2024، تشهد البلاد إنجازات تاريخية على كافة الأصعدة، في ظلّ طموح متزايد لتحقيق الريادة التي يستحقها هذا الوطن في إطار "جزائر منتصرة" تتجاوز العقبات وتستهدف التميّز على كافة الجبهات. فالهدف المرجو تحقيقه هو "جزائر مرفوعة الرأس، جزائر الوطنية والكرامة"، مثلما أكّد عليه رئيس الجمهورية في رسالة له بمناسبة اليوم الوطني للهجرة عندما قال إنّ "استكمال مسار التقويم والتجديد الوطني وديناميكية التحوّل بالجزائر نحو المستقبل برؤية جديدة واثقة في مقدرات البلاد وفي كفاءاتها ووعي شبابها وشعبها بالتحديات ومؤمنة بكسب الرهانات وتحقيق أحلام شهدائنا الأبرار" . ومازال رئيس الجمهورية يصرّ في كلّ مناسبة على التأكيد على أهمية تعزيز الجبهة الداخلية ودعم المقاربة التشاركية في تسيير شؤون البلاد، حيث سبق وأن أعلن عن تنظيم حوار وطني مفتوح من أجل "التخطيط معا للمسيرة التي ستنتهجها البلاد فيما يخصّ تجسيد الديمقراطية الحقة"، مع تحقيق النهضة الاقتصادية والاهتمام بالشباب بضمان الحياة الكريمة لهم في وطنهم. أكّد أنّ كتابة التاريخ الوطني عملية طويلة المدى، ربيقة: الذكرى السبعون ترفع قيمة الانتماء للوطن أكّد وزير المجاهدين وذوي الحقوق العيد ربيقة، أنّ الذكرى السبعون لاندلاع الثورة التحريرية المجيدة تكتسي رمزية عميقة الدلالات، كونها تُعبّر عن التمسّك بالهوية الوطنية وبمرجعية أوّل نوفمبر. وأبرز في حديث خصّ به وكالة الأنباء، عمق الدلالات التي ينطوي عليها هذا الحدث الخاص الذي يُعدّ، مثلما قال "تعبيرا عن التمسّك بالهوية والذاكرة الوطنية وعاملا يساهم في توطيد العلاقات بين مختلف أفراد المجتمع ويقوي مفاهيم الولاء لرموز الدولة ويرفع قيمة الانتماء للوطن". أضاف الوزير أنّ ثورة أوّل نوفمبر 1954، تعدّ مرجعية أساسية لا يمكن الانحراف عنها، وفاء لرسالة الشهداء والمجاهدين، مشيرا إلى أنّ الاحتفال بهذه الذكرى يتم في ظلّ "جزائر جديدة مشيّدة الأركان، استلهمت من ماضيها المجيد مبادئ أسّست عليها دولة سيدة بمؤسّسات قوية واقتصاد واعد ودبلوماسية مؤثّرة وبجبهة داخلية محصّنة وموحّدة". وبعد أن ذكّر بأنّ الجزائر الجديدة، كرّست في دستورها بيان أوّل نوفمبر كمرجعية أساسية، أشار السيد ربيقة إلى تصريح رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، الذي أكّد فيه أنّ الجزائر جعلت من تاريخ اندلاع الثورة، مناسبة أرفع من أن ينحصر الاحتفاء بها في مظاهر الرتابة المناسباتية الباهتة. وأوضح بهذا الخصوص، أنّ الجزائر تسير وفق مسار أساسه الإصلاحات العميقة وبناء دولة المؤسّسات وبعث ديناميكية اقتصادية حقيقية والعودة القوية للدبلوماسية وكذا التفاف الشعب حول قيادته وجيشه، وهو ما من شأنه تمكين الجزائر من رفع مختلف التحديات. وفيما يخصّ دعم كتابة التاريخ واسترجاع الأرشيف الوطني، أكّد الوزير أنّ قطاعه جعل في مقدّمة أولوياته حفظ وصون الذاكرة الوطنية بهدف ترسيخ القيم والمثل العليا لثورة نوفمبر الخالدة. كما عبّر عن قناعته بأنّ كتابة التاريخ الوطني عملية طويلة المدى وغير مرتبطة بذكرى معينة أو مناسبة وطنية، مبرزا أنّ وزارة المجاهدين، في ظلّ توجيهات رئيس الجمهورية، ضاعفت اهتمامها بالذاكرة الوطنية تدوينا وتوثيقا. وأفاد بالمناسبة أنه طُبع خلال السنوات الأخيرة أزيد من 1200 عنوان، لكتب تاريخية خاصة بفترة المقاومة الشعبية والحركة الوطنية وثورة أوّل نوفمبر 1954، إضافة إلى تسجيل قفزة نوعية في مجال طبع الكتاب من خلال طبع وإعادة طبع أكثر من 150 عنوان لكتب تاريخية هامة بمناسبة الذكرى ال60 لعيد الاستقلال. كما أكّد أنّ قطاعه يعتزم في إطار الاحتفالات المخلدة للذكرى السبعين لاندلاع الثورة طبع بضع المئات من العناوين من أجل ترقية وتعزيز البحث في هذا المجال. وضمن مسعى صون الذاكرة الوطنية من خلال تسريع الرقمنة في القطاع، أكّد السيد ربيقة أهمية الشهادات الحية كونها رافدا من روافد الذاكرة الوطنية، ومادة ذات أهمية للأساتذة والباحثين والأكاديميين، لافتا إلى أنّ القطاع قام بتجميع الشهادات ورقمنتها وتنصَب الجهود الآن على توطينها في مركز البيانات لحفظها أطول مدة ممكنة ثم فتح الباب لمعالجتها من قبل مختصين. في هذا الاطار، تحدّث الوزير عن الاهتمام البالغ الذي يوليه قطاعه لمشروع السيادة الرقمية على الذاكرة عبر الحوامل السمعية البصرية كوسائل كلاسيكية لها دورها في الحفاظ على الإرث الثقافي والتاريخي ومسايرة مشروع الرقمنة والتوثيق الذي يسعى إلى تحويل التراث والذاكرة إلى أفلام وثائقية وسنيمائية وأعمال متحفية. وذكر في هذا المجال بأنّ الوزارة أنتجت 12 فيلما تاريخيا طويلا حول سيرة الشهداء والقادة الرموز، إضافة الى العشرات من الأشرطة الوثائقية وزّعت على مجمل المؤسّسات الإعلامية الوطنية والأجنبية والمؤسّسات تحت الوصاية، لافتا إلى أنه يجري حاليا إنتاج ثلاثة أفلام تاريخية طويلة خاصة بالقادة زيغود يوسف وسي أمحمد بوقرة وسي الحواس. ثورة القيم الخالدة تحلّ علينا ذكرى اندلاع الثورة التحريرية المباركة، ويعود معها واجب الوقوف إجلالا أمام تضحيات الشعب الجزائري، الذي قدّم أنفس وأنبل ما لديه لطرد مستعمر اعتقد في يوم ما أنّه غرس جذوره النجسة في تراب هذه الأرض الطاهرة، وإن كانت هذه التضحيات مازالت آثارها شاهدة على بشاعة محتل غاشم، إلاّ أنّ المناسبة تدعو إلى قراءة متأنية لصفحات التاريخ ليدرك جيل اليوم أنّ عدو الأمس هو نفسه عدو اليوم، فالأطماع مازالت تحوم حول هذا الوطن المفدى، ولا مجال للتراخي في صونه والإعداد لتقويته على جميع الأصعدة. منطق فرنسا ديغول، لا يختلف عن منطق فرنسا ماكرون، التي مازالت تحنّ لعهد ولى ولن يعود، فالمتتبّع للأحداث يدرك هذا الواقع، الذي تفطنت له الجزائر، ورفضته جملة وتفصيلا، وعبّر عنه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، في مناسبات عدّة، فمنطق الخضوع الذي استحسنته أنظمة ألفت سطوة المستعمر السابق، رفضته الجزائر، لأنّه بكلّ بساطة لا يعبّر عن قيم الشعب الذي قدّم مليونا ونصف المليون شهيد، في ثورة نهضت لقهر الظلم وتأكيد رفض الانصياع لقوّة لا تقاسمه قيمه النوفمبرية، إرهاصاتها تعود لقيم "الرجل الحر" الذي سكن هذه الأرض منذ الأزل، ومازالت تنير دروب الشعوب المضطهدة والمسلوب حقها. فالموقف الرسمي للدولة الجزائرية مع القضايا العادلة في العالم، لم يكن من فراغ، بقدر ما هو تعبير عن قيم تريد مقاسمتها، منعا للظلم الذي ذاق الشعب الجزائري ألمه. وفي ظلّ تسارع الأحداث، سواء على الصعيد القاري أو العالمي، لا بدّ من وقفة للتأكيد على أنّ مواقف الجزائر من الزخم القائم سواء في الصحراء الغربية، أو في غزة ولبنان وأجزاء أخرى من الوطن العربي، تعبير عن قيم وطنية مستمدة من كفاح أمة، وليست وليدة مصالح ظرفية، وأخذ بيد مظلوم يوم تخلى عنه الجميع، إذ حملت على عاتقها الدفاع عن قضايا الأمة العربية، بعيدا عن اللغط السياسي الزائف. إذن تحل علينا الذكرى ال70 لاندلاع الثورة التحريرية المظفرة، لتؤكّد مرة أخرى للعالم، أنّ قيمها خالدة، ولا مجال للتشكيك في قدسيتها، وأن أبعادها التنموية والاجتماعية بارزة ولا ينكرها إلاّ جاحد، ترجمتها مؤشرات ثمّنها العدو قبل الصديق، وتنبئ بمستقبل واعد قوامه عزم أمة على خلق الاستثناء الذي صنعته بثورتها التحريرية ثم بثورتها الاقتصادية التي تسعى من خلالها لفكّ الارتباط مع قوى الشر في العالم، بل من أجل حماية مكتسبات تحققت بفضل تضحيات جيل الاستقلال. إلى هنا يكون الدرس واضحا، لمن أراد أن يعتبر.. ولمن أدار ظهره وأبى أن يعي حجم المنجزات ومكانة "الجزائر الجديدة"، فنقول له "استيقظ..انتهى الدرس.." * عمر دلاّل