عرف الفضاء الرياضي في الجزائر خلال سنة 2014 فترات متباينة في أحداثه، فمن جهة عاش المتتبعون لهذا الشأن لحظات الفرحة والتتويجات التي أعادت مكانة الجزائر إلى الواجهة العالمية، ومكنت بعض الرياضات من تبوأ المكانة المنتظرة والضائعة منها، ومن جهة أخرى عاش الجمهور الرياضي الجزائري لحظات خيبة وأحزان بسبب الخروج عن نص الروح الرياضية وتراجع المستوى العام. “الخضر” يخرجون الشعب الجزائري إلى الشوارع مونديال البرازيل.. محطة لا تنسى أبرز ما ستحتفظ به الذاكرة الرياضية في الجزائر، خلال سنة 2014، هي الملحمة التاريخية التي صنعها “الخضر” الذين دقوا أبواب العالمية وسجلوا اسم الجزائر بأحرف من ذهب. لم يشهد تاريخ الكرة الجزائرية عاما حافلا كالذي حققه في سنة 2014، من خلال الإنجاز التاريخي الذي وصل إليه المنتخب الوطني والتألق العالمي الذي جعل من الجزائر أحد أفضل المنتخبات على الكرة الأرضية، حيث ترك تأهل “الخضر” لرابع مرة في مشوارهم إلى نهائيات كأس العالم، ولثاني مرة على التوالي، بصماتهم في العرس العالمي المقام بالبرازيل، والذي غادروه في الدور ثمن النهائي بعدما وقفوا الند للند أمام “الماكنة الألمانية” ونجومها، وهذا بعد بداية غير موفقة أمام بلجيكا، ليستعيد رفقاء المتألق براهيمي التحكم بزمام الأمور وينجحوا في استدراك أمورهم في اللقاء الثاني أمام كوريا الجنوبية، بتحقيقهم فوزا عريضا وتاريخيا (4-2)، وهي تعد أكبر نتيجة يحققها فريق عربي في مثل هذه المنافسة العالمية، ما عبّد لهم الطريق للوصول إلى الدور ثمن النهائي، وهذا طبعا بعد أن اكتفى “الخضر” بتعادل إيجابي أمام “الدب” الروسي بقيادة المحنك الايطالي فابيو كابيلو، وهو ما سمح للتشكيلة الوطنية بكتابة صفحة جديدة في تاريخ الرياضة الأكثر شعبية في الجزائر. “الخضر” يكسرون حاجز منتخب الثمانينيات نجح المنتخب الوطني الجزائري ببلوغه الدور ثمن النهائي من كأس العالم بالبرازيل في تجاوز محطة مهمة في تاريخ الكرة الجزائرية التي كان فيها حلم العناصر الوطنية أن يستمروا في هذه الدورة، غير أن المنافس الذي أوقعته القرعة في وجه “الخضر” اسمه ألمانيا وهي المواجهة التي أعادت للأذهان المباراة التاريخية في مونديال 1982 حيث نجح آنذاك عصاد وبلومي وماجر ورفقائهم في قلب الطاولة على “المانشفت” بأرمادة لاعبيه الممتازين أمثال رومينيغي وماغاث وماتيوس وليتبارسكي وغيرهم، بملعب خيخون الإسبانية، ورغم ذلك فإن رفقاء فيغولي تمكنوا من إسالة العرق البارد للمنتخب الذي تربع على عرش العالم. “النسر” السطايفي يدق أبواب العالمية لم يكن تألق المنتخب الوطني صدفة عابرة، بل انعكس إيجابا على بعض النوادي التي عرفت كيف تستثمر في التطور الذي بلغته سمعة الجزائر قاريا وعالميا، ومن بين هذه الفرق وفاق سطيف الذي تمكن من تسجيل اسمه واسم الكرة الجزائرية بأحرف من ذهب، حيث إن العودة القوية للمنتخب الوطني على الساحة الدولية قد أعطت جرعة أوكسجين لفريق وفاق سطيف، ممثل الجزائر في رابطة أبطال إفريقيا 2014، الذي ما كان يرشحه أحد، حتى أكثر المتفائلين، لبلوغ مرحلة المجموعات، ومع ذلك نجح أبناء عين الفوارة في مخالفة كل التكهنات، ليعتلي أعلى قمة الكرة الإفريقية، ويصبح بذلك أول ناد جزائري يفوز بلقب هذه المنافسة المرموقة الخاصة بالأندية في صيغتها الجديدة، وقد كان لإنجاز الوفاق طعم خاص، كونه جاء بأقدام محلية خالصة، باستثناء الدولي الغابوني زي أوندو، حيث سجل خسارة واحدة في 14 مقابلة لعبها، ما يؤكد سيطرته على هذه المنافسة. فشل سياسة التحسيس والهروب إلى الأمام مارد العنف يضرب الكرة الجزائرية في الصميم لم تتمكن السلطات العليا في البلاد من التخلص من ظاهرة العنف التي صارت متفشية في ملاعبنا، حيث لا يمر موسم وإلا وترك بصمة سوداء عالقة في الأذهان، فلا مبادرات التحسيس التي تطلقها مختلف الجهات كل عام لإيقاف هذه الخطر الدائم استطاعت أن تصل إلى حل، ولا العقوبات الردعية التي ينادي بها الجميع تم تطبيقها، لتتحول ملاعبنا إلى مقابر كما حدث للاعب الكاميروني إيبوسي، والتي ليست حالة منفردة فهي امتداد لأحداث العنف التي ما انفكت تشهدها الملاعب الجزائرية منذ مدة، فالكل يتذكر الاعتداءات التي راح ضحيتها لاعبو شباب بلوزداد، خاصة فيصل باجي وأنور بوجقجي، في سبتمبر 2001 بملعب بجاية، وكذا لاعبي اتحاد الجزائر عبد القادر العيفاوي ونسيم بوشمة بملعب سعيدة في أفريل 2012، والتي كادت تودي بحياة باجي والعيفاوي. وكانت السلطات قد كثفت من الإجراءات الأمنية، إلى جانب إطلاقها العديد من الحملات التحسيسية، لكن من دون جدوى، لأن العنف لا يزال قائما إلى اليوم، فالأحداث التي شهدها الداربي الذي جمع بين اتحاد الحراش ومولودية الجزائر يوم 29 نوفمبر بملعب المحمدية خير دليل على ذلك. كما يجب الاعتراف بقدم المنشآت الرياضية، وعدم توفرها على وسائل راحة المتفرجين والأنصار، ما زاد الطين بلة، كما أن معظم المنشآت الرياضية التي تستغلها الفرق الجزائرية لا تتوفر على الشروط والمعايير الحقيقة لإجراء مباراة كروية فيها. مقتل الكاميروني إيبوسي.. وصمة عار على جبين الرياضة الجزائرية إن الموت التراجيدي للكاميروني إيبوسي، بسبب حجارة ألقيت من مدرجات ملعب 1 نوفمبر بتيزي وزو، بعد لقاء شبيبة القبائل واتحاد الجزائر، ألقى بظلاله على الإنجازات التي حققتها الكرة الجزائرية، بل أوشك على حجبها، حيث إن الإعلان عن وفاة إيبوسي (24 عاما) صاحبه موجة لا مثيل لها من الحزن والاستياء لدى كافة الجزائريين الذي شجبوا بقوة هذا الفعل الذي لا يمت بأي صلة إلى القيم والمثل التي تنقلها وتروج لها الرياضة، حيث ندد الجميع بهذا العمل الإجرامي والجبان الذي ضرب بسمعة البلاد والعباد معا. الملاكمة مفخرة الجزائريين على الدوام إذا كان عام 2014 حافلا بالإنجازات في كرة القدم الجزائرية وفي الملاكمة التي ما فتئت تؤكد قوتها، وفي كرة اليد كذلك العائدة إلى الواجهة الإفريقية، عكس رياضة ألعاب القوى التي ظهرت بوجه شاحب. فالملاكمة تبوأت منذ مدة ريادة الرياضات الوطنية، بفضل الألقاب العالمية والدولية والقارية التي حققتها في السنوات الأخيرة، وهو ما يؤكد عافيتها وقوتها، وما الكأس الإفريقية الثالثة على التوالي التي أحرزتها هذه الرياضة في جنوب إفريقيا والتتويجات الكثيرة المحققة على مستوى الشباب إلا تأكيد على القوة التي أصبحت تتمتع بها، وعلى المكانة العالية التي اعتلتها. هذا الإنجاز المبهر المحقق في مدينة إيست لندنالجنوب إفريقية يؤكد مجددا الصحة الجيدة للملاكمة الجزائرية التي طبعت عام 2014 ببصماتها، بفضل الألقاب التي حازتها، من أهمها اللقب الإفريقي المحصل عند الأواسط في مارس 2014، والمركز الأول التاريخي المحقق في الألعاب الإفريقية للشباب، فضلا عن الكأس الإفريقية الثالثة التي توج بها الأكابر 2010 بالجزائر، و2012 في بوتسوانا و2014 في جنوب إفريقيا. فرغم المنافسة الشديدة التي لقيها الجزائريون من ملاكمي البلد المنظم، إلا أنهم نجحوا في بسط قوتهم في إيست لندن، بإحراز سبع ميداليات منها 5 ذهبية و2 برونزية. أما عند السيدات، فتوجت الجزائر في أرض جنوب إفريقيا بثلاث ميداليات، فضيتان وبرونزية. وفي فئة الأواسط سار المنتخب الوطني بثبات، حيث نجح في التتويج بلقب البطولة الإفريقية التي جرت بياوندي (الكاميرون)، بحصد 6 ميداليات ذهبية وفضيتين وبرونزية، كما حازت الكبريات في موعد ياوندي على ثلاث ميداليات، ذهبية واحدة بفضل سهيلة بوشان (48 كلغ) وفضية من توقيع رميسة بوعلام (51 كلغ) وبرونزية من نصيب منال محرزي (57 كلغ). أما في الألعاب الإفريقية للشباب فضرب “الفن النبيل” الجزائري بقوة، بعدما تألق الملاكمون الجزائريون الخمسة المشاركون في هذا الموعد بشكل لافت، حيث نجحوا جميعهم في الصعود على منصة التتويج، ليهدوا للجزائر أربع ميداليات ذهبية وفضية واحدة، وجعل هذا الصعود المبهر في مستوى الملاكمة الجزائرية قيادة الاتحادية الدولية للملاكمة تختار خمسة ملاكمين جزائريين للمشاركة في الطبعة الأولى لبطولتها الاحترافية التي تضم أقوى الملاكمين على المستوى العالمي. إنجازات منفردة في مختلف الرياضات الأخرى عرفت بعض الرياضات الأخرى إنجازات غير مسبوقة في سنة 2014، حيث تأتي الميدالية الفضية التي توج بها الرباع بيداني وليد في بطولة العالم أواسط بروسيا على رأس قائمة الإنجازات المحققة في المحافل الدولية، إلى جانب المركز الرابع الذي احتله الملاكم الشاب سالم طامة في الألعاب الأولمبية للشباب في أوت بالصين، والذي افتك أيضا المرتبة الخامسة في بطولة العالم للأواسط في صوفيا ببلغاريا، فضلا عن اللقب العالمي الذي أحرزه نورة مولود في رياضة المعاقين في مونديال ميامي بالولايات المتحدةالأمريكية. كما تحققت بقية الإنجازات العالمية بفضل الرياضات غير الأولمبية، على غرار كمال الأجسام والكرة الحديدية والرياضات القتالية. ففي رياضة كمال الأجسام توج الرياضيان آسيا عبد القادر ومحمد بوعافية بطلين للعالم ولإفريقيا، في حين أحرز إلياس بوغانم الميدالية البرونزية في بطولة العالم والذهبية في بطولة إفريقيا. من جهته، تألق بطل إفريقيا محمد شيخي في بطولة العالم للكرة الحديدية التي جرت بإيطاليا بتتويجه بالميدالية الفضية، في حين أحرز العربي عبد السلام ميدالية فضية في المونديال الإيطالي. وفي الكونغ فو، حصدت الجزائر ميداليتين برونزيتين في بطولة العالم، بفضل يوسف حمريت وعبد القادر شعبان. وفيما يتعلق بمنافسات الشباب، فقد أنهت الجزائر مشاركتها في الطبعة الثانية للألعاب الإفريقية التي جرت من 22 إلى 31 ماي، بغابورون ببوتسوانا، في المركز الرابع برصيد 48 ميدالية 15 ذهبية و22 فضية و11 برونزية.