تحولت السواحل التونسية بمدينتي الحمامات ونابل منذ بداية الشهر الجاري، إلى فضاء مفتوح للسياحة والاصطياف، على خلفية تدفق مرتفع للأجانب، والجزائريين بصفة خاصة، لتبعث حركة المركبات والأشخاص على مدار ال 24 ساعة. انطلقت رحلتنا من ولاية تبسة عبر المركز الحدودي رأس العيون ببلدية الكويف شمال تبسة، حيث لم يتجاوز التأشير على جوازات السفر سواء من شرطة الحدود التونسيةوالجزائرية ال 15 دقيقة، مما يعكس تحسين الخدمات المقدمة للسياح بمركز الحدود. استمرت الرحلة في اتجاه مدينة الحمامات عبر مدن وقرى وتجمعات عمرانية توقّف عندها الجزائريون من كل الولايات لتناول وجبة الغداء المتنوعة بين اللحوم المشوية أو المطهوة على البخار بالتوابل وأطباق الحميص والسلطة التونسية. ورغم ما قيل عن الوضعية الأمنية في تونس، لم نلمس تعزيزات أمنية على مستوى الطرقات المؤدية لهذا البلد السياحي، كما أن معاملة التونسيين للجزائريين كانت خاصة جدا. فبمجرد توقف سيارات السياح الجزائريين عند نقاط المراقبة تسمع عبارات يرددها الأعوان وببسمة عريضة ”دزيرية تفضّلوا مرحبا بكم واصلوا السير”، كما لا يتوان الأعوان في إرشاد السائحين الجزائريين دون قلق أو ملل رغم الوجود المكثّف لإشارات المرور بالعربية والفرنسية. وأثناء تواجدنا بالطريق السريع وبعد تسديد مبلغ دينار ومئتي مليم تونسي، دخلنا مدينة الحمامات الشمالية والجنوبية قبل وصول العاصمة التونسية ببضعة دقائق. الوقود الجزائري يباع على الطرقات طيلة رحلتنا ومرورنا عبر مختلف المدن التونسية، لم تغب صورة الدلاء البلاستيكية ذات سعة 20 لترا والمعبأة بالمازوت أو البنزين الجزائري المهرب، وهي حرفة ينشط فيها الأطفال والشيوخ والنساء، وتمثل مصدر قوت آلاف العائلات في الجزائروتونس، عزاؤهم الوحيد حسب ما كشفوه لنا الظفر يوما ما بمنصب عمل شريف بعيدا عن التهريب والنوم مع دلاء بلاستيكية تمثل قنابل موقوتة في منازلهم، لأن الكل أجمع على إجابة واحدة هل لديكم البديل، عندما تتفق تونسوالجزائر على تحسين وضعية سكان الحدود وعدم الاكتفاء بتركيز التنمية في الساحل ستختفي هذه المناظر تلقائيا وما دون ذلك ستستمر حياتنا مع استنشاق رائحة المازوت والبنزين للاسترزاق. وعند مدخل مدينة الحمامات، اعترضتنا مجموعات شبانية من 3 إلى 10 أشخاص أحيانا على مسافات متقاربة، اعتقدنا حينها أن الأمر يتعلق باندلاع مظاهر احتجاجية، غير أننا سرعان ما اكتشفنا بأنهم سماسرة في تأجير الفيلات والشقق. وبمجرد توقف السيارة لأخذ قسط من الراحة وارتشاف فناجين القهوة والشاي، تقدّم منا سماسرة وهم يعرضون علينا خدماتهم، متسائلين إن كنا بحاجة لكراء شقة، فاغتنمنا فرصة الحديث إليهم حول الموضوع في انتظار وصول صديق جزائري وعدنا بكراء طابق أرضي في فيلا بحي الحوانت بالحمامات، هذه الأخيرة تتوسط الطريق بين مدن نابل وسوسة وحمام الأنف وزغوان، وكانت عبارة عن أحواش قديمة أعيد هدمها وتشييد فيلات فاخرة بها. وحسب السماسرة، فإن تأجير طابق أرضي من ثلاث غرف بفيلا يكلّف بين 100 و150 دينار تونسي، إضافة لأكثر من 80 دينارا إذا أراد السائح توفير الويفي للنت والمكيفات الهوائية، بينما تتوفر فيلات أخرى على مستودعات فردية للسيارات. التهاب أسعار فضاءات قرطاج لاند وتعد رحلات الترفيه على بواخر القراصنة كولومبوس والياسمين والسلطان، متعة للجزائريين والأجانب على حد سواء. كما استهوت السائحين مدينة الحمامات التونسية، حيث فضلت العائلات الغنية وبعض الشخصيات السياسية ورجال الأعمال تأجير غرف بمركباتها السياحية الفاخرة وفنادق 4و5 نجوم والتي وصلت فيها تكاليف الليلة الواحدة مثلا بالمنستير إلى 1000 دينار تونسي لعائلة تتكون من 3 أفراد، أي ما يعادل تقريبا 7 ملايين سنتيم بالعملة الوطنية. وكشف لنا بعض السائحين، أنهم يفضلون الفنادق المغلقة على الشواطئ المفتوحة، بالنظر الى توفر مختلف الخدمات، بينما فضلت عائلات أخرى متوسطة وحتى ذات مستويات مادية محترمة كراء فيلات تضم مسابح وحدائق صغيرة قريبة من الشواطئ البحرية وتكون متعتهم في برمجة فترة زمنية من عطلتهم للتسوق بالفضاءات التجارية لاقتناء مختلف أنواع السمك، وهو الغذاء المفضل للسياح الجزائريين. وحسب جولة في هذه الفضاءات اشتكت عائلات جزائرية من ارتفاع سعر قارورة الماء إلى ما قيمته 60 دينارا جزائريا. وتجد العائلات التي خرجت للاصطياف نفسها في حرج كبير مع الأطفال الذين يرغبون في دخول كل فضاءات اللعب التي جعلتها الأسعار تنقسم بين ألعاب الفقراء والأغنياء. ففي فضاءات الألعاب المائية المتواجدة بياسمين حمامات تعرض أسعار ب 28 دينار تونسي للدخول للشخص الواحد، أي تتجاوز قيمته 2200 دينار بالعملة الجزائرية، وهو ما جعله حكرا على السياح الأوروبيين أو بعض عائلات رجالات الأعمال والتجار، بينما تضطر حتى العائلات المتوسطة الحال لتبديل الوجهة لفضاءات أخرى للأطفال ما دون العاشرة بسعر 12 دينار تونسي. نابل تستقطب الجزائريين والأوروبيين وأمام وضعية الأسعار الجنونية بفضاءات الألعاب المائية بقرطاج لاند، تستقطب بواخر القراصنة الخشبية الترفيهية بميناء ياسمين الحمامات «مارينا” السواح الأجانب بمختلف الجنسيات هروبا من لهيب أسعار فضاءات اللعب الفاخرة وحفاظا على ميزانية الدخول الاجتماعي وبمجرد دخول الميناء تجد نفسك مخيّر بين موقف في نفق أرضي أو الاكتفاء بمواقف الأرصفة المؤجرة والتي تؤطرها بعض المجموعات الشبانية في تنظيم محكم. وما شدّ انتباهنا صرامة الدورية الأمنية لشرطة المرور، فبمجرد محاولتنا التوقف لاختيار المكان حذّرنا الجميع من الرصيف أو غلق المنافذ لأنهم كما يقولون ”راح تتشنقل السيارة”، أي يكون مصيرها حجزها في الحظيرة وغرامة مالية. وبالفعل في تلك اللحظة مرت سيارة الرفع بالقرب منا والسائق يلوح بيده للابتعاد عن المكان، وبعدها أرشدنا أحدهم للأمكنة المخصصة لركن السيارات دون تعقيد حركة المرور. عندما كنا نهم بالولوج الى الميناء، اعترض طريقنا عشرات الشباب يعرضون أسعار الرحلات البحرية على متن بواخر القراصنة بين الحمامات وشواطئ نابل دخلنا في حوارات معهم، وتبين لنا من خلالها أنهم يعقدون صفقات مع أصحاب هذه المركبات البحرية للظفر بالزبائن مقابل عمولات ونسب مئوية تضاف على السعر الأصلي، بحيث طلب منا 20 دينارا لكل فرد منا للرحلة البحرية وعندما دخلنا الميناء ووقفنا أمام تلك البواخر ومنها كولمبوس والسلطان وياسمين كانت عروض الأسعار بين 20 دينارا للكبار، و 10 دينار للأطفال أقل من 14 سنة، فيما يعفى الأطفال ما دون 6 سنوات من التسديد. حجزنا صبيحة اليوم الموالي على متن سفينة كولمبوس وكانت تكتظ بالسياح الأوروبيين والجزائريين، الذين حولوا أجواء الباخرة إلى ما يشبه مدرجات ملعب تشاكر لمناصرة الخضر، بحيث لم تتوقف صيحات وان تو ثري فيفا لالجيري والتي انفجرتكالقنبلة ووجد طاقم الباخرة صعوبة كبيرة في إعادة الهدوء لإخلاء ركح المسرح الصغير في باخرة كولمبوس لمنشطي الرحلة التي تدوم بين 9 صباحا الى 13.30 والتي تخللتها عروض من قبل شبان أفارقة وتونسيين بإشراك السياح الأوروبيين في ألعاب بهلوانية على علو حبال الباخرة خطفت إعجاب الأطفال ومرافقة هذا الجو بأغاني جزائرية وتونسية وأوربية وإفريقية عالمية. وتوقفت الباخرة بالقرب من شاطي بني خيار في نابل لتقدم وجبة الغذاء التي تحسب مع السعر المدفوع للرحلة، وتم تناول الوجبة والسفينة تتحرك بسرعة بطيئة مستعدة للعودة إلى الميناء، كما توقفت باخرة كولومبوس بالقرب من الشاطئ للسماح لبعض الزبائن في ممارسة السباحة وكانت العودة بنفس وتيرة النشاط، مع تركيز طاقم التنشيط على بيع قرص مضغوط به أكثر من 200 أغنية ووشاحات بيضاء وسوداء وحمراء رسمت عليها رموز القراصنة وكذا عرض أخذ الصور مع طائر النسر أو طاقم قيادة الباخرة. أما الحقيقة التي لا يمكن أن ينكرها الجميع، فإن الشعب التونسي أو المستثمر في تونس الخضراء، يحاول الوصول الى جيوب جميع الطبقات الاجتماعية بغض النظر عن المستويات المادية. فحتى عند النزول من الباخرة يذكر الجميع بأنهم وعن طيب خاطر يمكن لهم تقديم نقود رمزية تشجيعا لطاقم باخرة القراصنة.